ذهب الفتي الي البقال باحدي قري محافظة الدقهلية ليشتري زجاجة مياه غازية، واختلف معه علي الثمن, فتطور الامر بينهما الي شجار, قام علي اثره البقال بقتل الشاب, فتم القبض علي القاتل، وتقديمه لمحكمة عاجلة, لينال جزاءه.. حادث عادي, لكن بعض الصحف وجد في اضافة وصف المسلم الي الفتي, والمسيحي الي البقال, سببا كافيا لاضفاء مزيد من الجاذبية علي الخبر, وزيادة توزيعها, ومن ثم جاء عنوانها كالتالي: بقال مسيحي يقتل فتي مسلما!
في كل حادثة يكون طرفها مسلم ومسيحي يكاد يتكرر الامر: استدعاء الانتماء الديني, دون ان يكون للدين في الحادث محل للاعتبار, ولا علاقة موضوعية بالوقائع, ذلك انها حوادث جنائية بامتياز, ويقع مثلها بين ابناء الطائفة الدينية الواحدة في اليوم عشرات الحوادث المماثلة.
لكن بعض الصحف يستخدم في معالجته للتغطية مفردات من عينة شاب مسيحي, وفتاة مسلمة, او العكس, وهو امر غير صائب مهنيا, ولاسليم اخلاقيا, لانه يمكن الاكتفاء بذكر مسقط رأس ابطال الحادثة, او صفتهما النوعية.. الخ, دون التطرق الي الانتماءات الدينية, حتي لاتتسبب تلك المعالجات في صنع العنف الطائفي.
حوارات مسمومة
هذا علي مستوي الاخبار والتغطيات الخبرية, وعلي مستوي اللقاءات والحوارات, يسمح بعض الصحف بنشر تصريحات لقادة دينيين يتطاولون فيها بشكل واضح, علي ابناء الديانة الاخري, دون ان تجد من يحاسبهم عليها, والا فما معني السماح بنشر تصريحات من نوعية: لن نخالف الإنجيل من اجل احكام القضاء! كما جاء حوار قيادة دينية مسيحية مع صحيفة يومية مستقلة, او تصريحات القس عبد المسيح بسيط إذ يقول ان هناك العديد من شيوخ الازهر قد تنصروا لكنهم يخشون اعلان ذلك, وما أشبه ذلك من تصريحات!
اللوم هنا علي الصحف التي اجرت الحوارات الواسعة مع هؤلاء ليصبوا الزيت علي النار, لتجعل منهم نجوما ينافسون نجومية بعض الاسماء الاخري, كماهر الجوهري, ونجلاء الامام, ومحمد رحومة, الذين صاروا نجوما علي صفحات تلك الصحف, من جراء تركيزها المكثف عليهم, وتقديم المعالجات العريضة حولهم, علي صفحاتها.. جنبا الي جانب مواقع النت!
فوضي طائفية
لقد تحول هذا الاخير النت الي اداة قوية للتحريض الطائفي مؤخرا, فاصبح هناك عشرات من المواقع التي تقود التحريض الطائفي الواسع, حتي استخدمت جماعة الاقباط في المهجر مواقع النت بشكل احترافي كبير, لتتحدث باسمها, وتعبر عن أجندتها التي تحمل مطالب ابتزازية, تقوم بترويجها في المحافل الدولية, وتستعدي الغرب لأجلها علي مصر.
وهكذا لم يكن غريبا ان تخرج الصحيفة الامريكية واشنطن بوست في افتتاحيتها نوفمبر الماضي بعنوان يقول: التحول الي المسيحية في مصر محنة كبيرة, وسعي الي الموت!
لقد انبنت هذه الافتتاحية, وغيرها من المقالات المشابهة, علي معلومات مغلوطة, وبيانات لاترقي الي مستوي الحقائق, ومعالجات ساذجة غاب عنها التعمق والتدقيق.
في تلك التغطيات يلحظ المرء انه يتم العرض السريع والمبتسر للموضوع, وتجاهل التطرف فيه للاسباب, وان اللغة المستخدمة فيه طائفية, ولاتتعمق في طرح اصل المشكلة.
الانترنت بطل الفتنة
في السياق نفسه يلاحظ علماء الاعلام تعاظم دور الانترنت في محاولة نشر الفتنة الطائفية بمصر, والامر هكذا, يؤكد الاعلامي الدكتور عمار علي حسن ان الاعلام وسيلة مهمة لو استخدمت علي الوجه الاكمل, ومن دون انفعال ولاافتعال, فبوسعها ان تقلل من اي احتقانات, وان ترسخ في عقول الناس ونفوسهم, قيم التسامح, والاعتراف بالآخر, واحترامه.
يبدو ان ما يحدث في قطاع عريض من الساحة الاعلامية المحلية حاليا.. لا يصب في هذا الاتجاه!
تحقيق: عبد الرحمن سعد / الأهرام الإثنين 3 من صفر 1431 هــ - 18 يناير 2010
http://www.ahram.org.eg/50/2010/01/18/3/3872.aspx