"إيمانيات الدولة من وحي الثورة"..عنوان أحدث كتاب صدر للكاتب الصحفي عبدالرحمن سعد. ويقول في مقدمته: كثيرون تحدثوا عن حُلم الدولة الإسلامية أو المسلمة، وجادل البعض بأنه ليس للدولة دين أو عقيدة، وبين هؤلاء وأولئك بزغ نور الحالمين في مصر والمنطقة العربية والإسلامية بإقامة دولة تسود فيها السياسة الشرعية، وينصلح فيها حال الراعي والرعية، ولئن تحقق ذلك في أمم أخرى لا تدين بالإسلام وربما تقدس الصليب وتعبد الأوثان، إلا أن العبرة ليست بالأوصاف أو التسمية، وإنما بالمضامين، والسلوك.
ولأنه لكل دولة مرجعية حضارية، أو عقائدية؛ فلابد في الدولة ذات المرجعية الإسلامية، أن يكون لها ثوابت ترتكز عليها، وإيمانيات تستند إليها، وأسس تهتدي بها، ومبادئ تنطلق منها، ومعالم معروفة عن أهلها، تكون الدولة مصبوغةً بها، حُكماً وشعباًً.. قال تعالى:"صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ".(البقرة: 138).
وقد تحدث فقهاء كثيرون كأبي الحسن الماوردي وتقي الدين بن تيمية وغيرهما عن الأحكام السلطانية، والسياسة الشرعية، وتبعهم بإحسان علماء ودكاترة، ألفوا الكتب، ووضعوا النظريات، حول النظرية السياسية في الشريعة الإسلامية، وطبيعة الدولة الإسلامية، وفقه الدولة في الإسلام، وأخلاق الحكام، وحقوق الإنسان.. إلخ، لكنني أرى أنه إذا طُبقت مبادئ الشورى والمساواة والحرية والعدل وسيادة القانون والتعددية والسلم بين الناس .. فثم شرع الله بالتأكيد، والعكس صحيح.
ويأتي هذا الكتاب طارحاً هذا المصطلح الجديد "إيمانيات الدولة" ذلك أن الدولة في الإسلام -فيما أرى- تقوم على التعايش السلمي بين أفرادها، وثقافة مراقبة الله تعالى، ووازع الضمير الإيماني، الذي يستلهم مقاصد الشريعة، ويتقن أدب النقد والنصح والحوار والخلاف، ويجيد فن التعايش والعفو والمصالحة الوطنية، ويأخذ بأسباب الاستيعاب والتسامح وكف الأذى ومنع الظلم، والوحدة الجامعة.
في هذا المجتمع لا مجال بين طبقات الأمة، خاصتها وعامتها؛ للفوضى العابثة، أو انفلات الأعصاب، أو ضياع الأمن، أو ضعف الإنتاج، أو أكل حقوق الآخرين، بل يسود بين الناس ثقاقة احترام الآخر، والمعاملة المنصفة، والمساواة الصادقة، والعدالة الناجزة، والأمانة الخالصة، وحرمة المواطن، والإحسان إليه، وحفظ كرامته، وضمان حقه المشروع في الاختلاف، أيا كان لونه وانتماؤه، أو فكره وعقيدته، أو دينه ومذهبه.
وهذا ما تعظم الحاجة إليه، فيما أرى، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، وقد جمعت فيه مقالاتي وخطبي في فترة ما بعد الثورة، وكنت اعتدت في كل يوم جمعة قبلها أن ألقى الخطبة في بيت من بيوت الله، وأجتهد في تقديم كل "جديد مفيد" لجمهور المؤمنين، وكثيرا ما رادوتني الهواجس بأن الخطبة ستكون آخر مرة أرتقي فيها المنبر.. فقد منع جهاز أمن الدولة كثيرين من الخطابة، وحبس بعضهم، وقتل البعض الآخر، فما خاف الأئمة والخطباء، وما استكانوا، وإنما مضوا إلى أمر الله .. بنور، ويقين.
كنا نحاول أن نقول في خُطبنا كلمة الحق، بشئ من المداراة، وأن نوجه النقد إلى القائمين على أمور البلاد، بالتلميح دون التصريح..إلى أن جاءت جمعة الغضب (28 يناير 2011)، وما تلاها من انتصار الثورة، فبرز التحدي الأكبر في إيجاد بوصلة تهتدي بها الأمة في هذه الآونة المضطربة، سعياً لإقامة الدولة التي تستجيب لأشواق الحُلم الإسلامي، وتجسد نموذجاً مشهوداً لدولة الشريعة، التي ترتكز إلى أساس الإيمان؛ مصداقاً لقوله تعالى :"أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". (التوبة:109).
بجانب ذلك، كان لي مقال أسبوعي، صبيحة كل يوم جمعة، على موقع جريدة الأهرام الإلكتروني، كنت ألخص فيه موضوع الخطبة التي سألقيها، وكنت أحرص على أن تتناول أحد موضوعات الساعة، مما ينشغل الناس به، بمعالجة إيمانية شيقة وعميقة.
وهكذا وجدتني -بعد أكثر من عامين على قيام الثورة- أمام حصيلة وافرة من هذه الخطب والمقالات، التي تُشكِل في النهاية مادة هذا الكتاب، بحيث جاءت على هيئة "معالجات إيمانية"، من وحي الثورة، لقضايا تصب في نهر إقامة الدولة، انطلاقاً من إصلاح القلوب والأعمال، استهداءً بهدي الإسلام، وما دعا إليه من إيمان شامل..قال تعالى :"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير".(البقرة:285).
والأمر هكذا، ينقسم الكتاب إلى ستة أبواب، يتضمن كل باب خمسة فصول، ويتناول الباب الأول سيرة عدد من الأنبياء والمرسلين؛ صلى الله وسلم عليهم أجمعين، باعتبارهم رواد التغيير الإسلامي، ويبدأ -حسب الترتيب الزمني للأنبياء- بالنبي يوسف -عليه السلام- الذي قدم بفكره الثاقب حلاً عظيماً لمشكلة مصر الاقتصادية في زمنه، ويليه في الحديث النبي موسى -عليه السلام- الذي ضرب المثل في ديمومة العمل، حتى لو كان ذلك بعد سن الأربعين، ثم يأتي الحديث عن النبي داود -عليه السلام- نموذجاً للعامل الشاكر الذي تحتاج الأمة للتأسي به، وأخيراً يطرح السؤال نفسه: ما واجبنا تجاه "خاتم المرسلين"، عليه أزكى الصلاة، وأتم التسليم؟ مع فصل أخير نلقي فيه نظرات إيمانية إلى موضوع التغيير، من زوايا شتى.
وينثر الباب الثاني شذورا من إيمانيات الثورة، ويحدد عددا من الأولويات الشرعية للأمة في خلال المرحلة الانتقالية، وينادي ب "الأخلاق أولا"، ويشدد على :"تفاءلوا بالخير تجدوه"، ويؤكد أن "العمل العام متعة الحياة"، فيما يستعرض فصله الأخير عدداً من الأسس الإيمانية التي يمكن أن تحقق من خلالها الأمة نهضتها المرتقبة.
ويقدم الباب الثالث عددا من الآداب العامة التي دعا الإسلام للتحلي بها بين طبقات المجتمع، انطلاقا مما جاء في سورة "الحجرات" من آداب في العلاقة مع الله، وبين الناس، مرورا بأدب النصح والنقد البناء، ثم أدب الحوار الهادف، وصولا إلى أدب الخلاف في الإسلام، وختاماً : كيف أرسى الإسلام "أدب التعايش"؟
ثم يأتي الباب الرابع فيتناول عدداً من المعايير الإسلامية لقضايا وجودية في الدولة، على رأسها: ضرورة العمل الجماعي بروح المسئولية الفردية، وواجب التسلح بفقه المصالحة الوطنية، وأهمية التسامح والاستيعاب كعنصرين أساسيين لنهضة الأمة، فيما يستعرض الفصل الخامس عدداً من معايير الإسلام في اختيار الحكام، وممثلي الشعب، في الانتخابات، والولايات المختلفة.
ويأتي الباب الخامس بعنوان :"جدد حياتك بالإسلام والإيمان". ويناقش فصله الأول القدرة الفذة للإسلام على حل المشكلات، ويبحث الثاني قضية الشريعة الإسلامية، وكيف يمكن تطبيقها في ظروفنا المعاصرة، ويتساءل الثالث: كيف حارب الإسلام الفوضى؟ ويتناول الرابع أولويات الثورة في عام هجري جديد، بينما ينادي الخامس :"جدد روحك بسورة التوبة".
أما الباب السادس فعنوانه :"شعائر وشرائع"، وعنوان فصله الأول: عبادة الله صيفاً وشتاءً، ويستعرض الثاني -في محورين- رمضان الثورة، من ناحية كيفية الاستعداد من شعبان للسعادة في رمضان، والناحية الأخرى عن الشهر الفضيل بعنوان :"رمضان شهركم أيها الثوار". ويجيب الفصل الثالث عن السؤال: كيف تحج، وأنت في مكانك؟ ويتساءل الرابع: ماذا تريد منا عشر ذي الحجة؟ وماذا نريد منها؟ ومسك الختام: روح العيد، ومفهومه في الإسلام.
وقد حرصت في مادة الكتاب على تخريج الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وتوثيق النقول، ونسبتها إلى أصحابها، ما أمكن، فضلا عن الجمع بين النقل والعقل، فهنك آيات وأحايث، وإلى جانبها: اجتهادات وأفكار، وكلاهما يؤيد الآخر، ويتكامل، ولا يتعارض معه.
واللهَ تعالى أسأل أن أكون وُفقت في تقديم "الجديد المفيد" للقارئ الكريم، بين دفتي هذا الكتاب، وأن يغفر لي ما كان فيه من تقصير وزلات، وأن يبارك للأمة في ثورتها، ويتمها باقتلاع أنظمة الطغاة والظالمين، وهدم صروح الأشرار والفاسدين، وتمكين الأمة من إقامة دولتها النموذج؛ ذات الصبغة الإسلامية العظيمة.
الكتاب صدر عن دار التوزيع والنشر، ومعرضها الدائم بشارع بورسعيد في السيدة زينب، وهو مكون من 255 صفحة، من الحجم المتوسط.