بقلم:عبدالرحمن سعد- تلقي المسئول الكبير اتصالا مفاجئا من نجله الشاب بأنه ملقي علي الطريق, ينزف الدماء علي إثر حادثة تعرض لها.فسارع من فوره إلي نجله, ووصل إليه بعد ساعة, فوجده بين الحياة والموت, فخف لنقله إلي أقرب مستشفي, ليكتشف أن الطبيب غير موجود, وأن الامكانات بالمستشفي محدودة! نصف ساعة ووصل الطبيب المسئول ، ولأنه كان في عجلة من أمره, ولم يوجد غيره, فقد بدأ عمله بإعطاء الشاب حقنة تخدير, أدخلته لاحقا في غيبوبة, وجعلته يلفظ أنفاسه!
من المسئول عن فقد هذه الروح البريئة.. التي لا يمر يوم دون أن تتكرر مأساتها؟
هل هو الطريق بسوءاته, حيث تُرك بلا إنقاذ, ولامرور, ولا خدمات أم رعونة الطرف الذي صدم الشاب, وفر هاربا أم تأخر سيارة الإسعاف في الوصول إليه أم أنه كل مواطن رآه يحتاج للمساعدة فلم يقدمها خوفا وسلاما أم طبيب المستشفي الذي شاب عمله الإهمال. أم الشاب نفسه الذي قاد سيارته بسرعة غير قانونية, أم الأب الذي انشغل عنه هو وأمه منذ الصغر فتركاه يروح ويجيء دون إحساس أي منهما بأنه مسئول؟!
الواقع أننا ـ كلنا ـ مسئولون.. فنحن معرضون لهذه التجربة, إن لم يكن علي الطريق ففي المنزل, أو جهة العمل أو مؤسسة التعامل.. إننا علي موعد في كل لحظة مع ذوبان المسئولية. فالكل مسئول .. والكل بدون مسئولية!
والغريب ان هذا يحدث دون تقديم شخص بعينه للمساءلة برغم أننا دون استثناء ندفع الثمن مضاعفا لظاهرة انعدام الاحساس بالمسئولية ، وذوبانها بين الجميع مع أنه لاينجو أحد من العواقب المدمرة لذلك كبيرا أو صغيرا, غنيا أو فقيرا قويا أو ضعيفا.
فمايحدث في مجتمعنا ـ إذن ـ مسئولية تضامنية, واستمرار تجاهلنا لما يقع من سلبيات معناه رضانا عنها, وبالتالي سنستمر في دفع ثمن خنوعنا لها, من أغلي ما نملك : أعمارنا وأرزاقنا.. رضانا عن أنفسنا, وتقديرنا لقيمة الحياة.
إن استمرار ما نحن عليه من ضياع الإحساس بالمسئولية، وطمس حدودها بين مواطن وآخر, حيث لا أحد يشعر بمسئوليته تجاه شيء أو أحد ما.. يعني اتساع الخروق علي الراتق, ونشأة بلد ضعيف ، وشعب واهن, بحكم أن أفراده يعانون من التشرذم, والتفكك.
جريدة الأهرام، وجهة نظر/ العدد: 44837 /9 سبتمبر2009
http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/9/9/OPIN8.HTM