أستطيع أن أؤكد أن الفقر هو أحد العوامل التي تهدد الأمن القومي لأي دولة؛ مصداق ذلك قوله تعالى :" الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف"، إذ قرن سبحانه وتعالى بين نعمة الإطعام من جوع، والأمن من خوف.
من هنا يصح القول إن الفقر الذي تعاني منه قطاعات واسعة من الشعب المصري اليوم هو أحد أكثر الأخطار تهديدا للأمن القومي، فمع وجوده يغيب الإحساس بالأمن النفسي، ويتفكك النسيج الاجتماعي، وتنحل عُرى الأسرة الواحدة، وقد ينحرف الشريف، ويرتفع الوضيع.
وكمصداق لذلك، رأينا كيف أن مفهوم الأمن القومي في البلاد المتقدمة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ قد تغير، وصار هناك أخطار تهدده بعيدة عن الأخطار التقليدية.. بل وبات جنرالات الجيش هناك يحذرون من التهديد الذى قد تسببه معدلات "السمنة" المتزايدة فى أوساط الشعب الأمريكي ، على أمنهم القومي!
ففى مقال مشترك لهما بجريدة الواشنطن بوست، قال كل من الجنرالين السابقين: جون شاليكشيفيلى وهيو شيلتون إن نحو ربع الشباب الأمريكيين مصابون بالسمنة الأمر الذى يحول دون انضمامهم إلى صفوف القوات المسلحة ، وهو ما قد يشكل تهديدا للأمن القومى الأمريكى.
وحسب بي بي سي 1 مايو 2010 ، ضم الجنرالان صوتيهما إلى مئات المسئولين العسكريين السابقين الذين طالبوا الكونجرس بتبنى قوانين تشترط إعطاء أطفال المدارس غذاء صحيا يحوى كميات أكبر من الفواكه، وكميات أقل من السكر والملح والدهون.
هذا عن خطر السمنة.. في الولايات المتحدة نفسها، فما بالنا بالأشد، وهو الجوع .. في بلد كمصر : كيف يعود تأثيره مدمرا لأمنها القومي؟
لقد أوصت دراسة لمجلس أمناء هيئة الاستثمار (المصري اليوم: 7 أبريل 2010م) بأن يكون الحد الأدنى للأجور موازيا لخط الفقر فى مصر (١٩٦٨ جنيها سنويا للفرد)، بمعنى ألا يقل هذا الحد عن معدل خط الفقر الذى تحدده المعايير الدولية.
لكن الحد الأدنى للأجر حاليا في مصر ينخفض عن مستوى خط الفقر العالمي. وقد أوضح الدكتور سمير رضوان، مستشار الهيئة، أن الدرجة السادسة، وفقا للإحصاءات الرسمية، وهى أدنى الدرجات الوظيفية، لا تتعدى قيمة الأجر فيها من الدخل الأساسى ٣٩٤ جنيها فى الشهر، وهو المبلغ الذى إذا تمت قسمته على ٤ أفراد –متوسط عدد الأسرة– سيصبح نصيب الفرد ٩٨ جنيها، أي أقل من خط الفقر، وقيمته ١٦٤ جنيها للفرد، و٦٥٦ جنيها للأسرة ( 4 أفراد) شهريا!
هكذا فإن ما يجنيه المصريون حاليا من ثمار السياسات الحكومية المتضاربة المتبعة في خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من فقر، وفساد، وإهدار لثروات الوطن، هو مما يصيب الأمن القومي في مقتل، لأنه يؤدي إلى غياب الأمن النفسي، والاجتماعي، وسلب قدرات الوطن الاقتصادية.
وفي وقت يتم فيه خفض الدعم المقدم للمستحقين من أبناء الشعب، وحرمانه من الاعتماد على ذاته، بأن يكون له قمحه، وماله ، وسلاحه، بات بترولنا وخيراتنا تذهب إلى مواطني "إسرائيل" مدعومة، وبأسعار أقل من الأسعار العالمية بكثير.
ولِمَ لا وقد تم خلط المفاهيم، حتى بتنا في حاجة إلى تعريف من هو "العدو" أصلا، بعد أن نفى وزير الخارجية أحمد أبو الغيط عن "إسرائيل" أن تكون "عدوا" لنا، واعتبر سفيره هناك أنها "دولة صديقة".
ناهيك عن الفتك بالمحاصرين في غزة، من خلال التجويع، وهدم الأنفاق، في وقت قال فيه الرئيس مبارك نفسه من قبل :"لن أسمح بتجويع الشعب الفلسطيني"، وها هو ذا يذهب إلى مدى أبعد من تجويعه ، إذ يُسمِن المحتل من خيراتنا، وثرواتنا.
أقول ذلك بمناسبة مد العمل بقانون الطواريء (الثلاثاء 11 مايو 2010) ، استنادا إلى الذريعة المعتادة.. حماية الأمن القومي من الإرهاب، في وقت وصل فيه شر المفسدين والمحتكرين والمتاجرين بأقوات الشعب إلى كل نفس في مصر، وتجاوز خطر إهدار مقدرات الدولة، من أموال وأراض وثروات، حد إفقار الشعب المصري، إلى تجويع شعب شقيق، وتسمين محتل غاصب، وهي سياسات تمثل عبئا على الأمن القومي المصري، وتجب مُساءلة الرئيس مبارك عنها شخصيا ، باعتبار أن هذه هي حكوماته، وتلك هي سياساته، دون حاجة إلى ذلك المد الجائر لقانون الطواريء.
بقلم: عبدالرحمن سعد، 11 مايو 2010، 27 جمادى الأولى 1431ه