تضاربت الأنباء حول مصير 435 مليار جنيه مصري (نحو 85 مليار دولار أمريكي) من أموال أصحاب المعاشات في مصر، إذ بينما اتهمت وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية المصرية السابقة ميرفت التلاوي الحكومة المصرية بمصادرة هذا المبلغ لسد العجز في الميزانية، ودعم البورصة.. نفي الدكتور محمد معيط مساعد وزير المالية المصري صحة ما ذكرته التلاوي.
وقد قالت التلاوي -في مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة 25 مايو 2010- إن القانون الجديد للتأمينات الذي تخطط الحكومة لإصداره يستهدف مسح هذا المبلغ، وتقنين هذه المصادرة.
وأضافت أن المشكلة التي يطرحها ذلك القانون هي خلط التأمينات مع الميزانية العامة ، واعتبرت أن ذلك يمثل مخالفة قانونية، وربما دستورية ، موضحة أنه كان هناك خطأ في أسلوب إدارة أموال التأمينات في الماضي.
ومن جانبه، انتقد رئيس اتحاد أصحاب المعاشات في مصر -تحت التأسيس- البدري فرغلي بشدة ذلك القانون، ووصفه بأنه مخالف للقانون. وقال إن من شأنه أن يضر بأوضاع 8.5 ملايين شخص من أصحاب المعاشات.
ومن جهتهم، أكد خبراء وقانونيون - بحسب مراسل الجزيرة في مصر- قولهم إن الهدف من الاستعجال في إصدار القانون الجديد هو تقنين تلك المصادرة، وإنه سيتم الطعن في ذلك الوضع.
وفي المقابل قال الدكتور محمد معيط مساعد وزير المالية المصري إن نظم المعاشات متداخلة في الأساس مع ميزانية الدولة، وإن خزانة الدولة هي التي تضمن تلك النظم وأن الأموال الذي أخذت من التأمينات بغرض الاستثمار تم ردها .
وكانت التلاوي ذكرت -في لقاء مع قناة دريم 2 الخميس 20 مايو 2010- أن وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي أخذ 200 مليون جنيه من أموال التأمينات الاجتماعية التي كانت موجودة في بنك الاستثمار القومي و300 مليون جنيه أخرى من صناديق تأمينات القطاع الخاص، وضارب بها في البورصة ، مما أدى إلى خسارة 60 بالمائة من تلك الأموال.
لكن الوزير نفى حدوث الخسارة ، مؤكدا أن المضاربة في البورصة حققت مكاسب 57 بالمائة .
وأعلنت التلاوي أيضا خلال المقابلة اعتراضها على القانون الجديد للتأمينات
، نافية مسئوليتها عن ضياع أموال التأمينات والمعاشات من خلال المضاربة بها في البورصة.
وقالت إنها قدمت استقالتها في المرة الأولى من الوزارة "بسبب فقر الميزانية حيث إنني سألت أين نصيب الفقراء من ميزانية الدولة قبل اعتمادها" ، وأضافت أن رئيس الحكومة وقتها التي كان يرأسها كمال الجنزوري، قال لها: "الفقراء بيأخدوا حقهم في التعليم والتأمين الصحي والمعاشات"، وذكرت أنها واجهت رئيس الحكومة بقولها إن "منهم (الفقراء) من لا يتعلم وليس له تأمين صحي".
وقالت إنها كانت تريد ضم 7 مليون أسرة للمعاش "وهو (الجنزوري) اعترض على هذا الرقم فقال لى احنا مش عايزين نعترف بوجود فقر بالدولة ، فقلت له وما العيب في ذلك فأنت لست السبب في مشكلة ، ولابد أن نعترف بوجود مشكلة الفقر لنجد لها حلول حتى لاتتفاقم ".
وتابعت قائلة: "كان هذا الجدل مني لرئيس الحكومة وهم لم يكونوا معتادين على أن يجادلهم أحد مع إني كنت أتحدث بمنتهي الاحترام والالتزام ، وكان الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال وقتها هو أكثر شخص أنا اصطدمت به وصارت بيننا مشاكل كثيرة ، لان الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء كان إنسان طيبا وكويسا جدا وإنما تعطيل عملي بالأساس كان يقف ورائه الدكتور عاطف عبيد ، حيث كنت عضو في لجنة الخصخصة وكلما اطلب أن اخصص أسهم أو أنصبة من المشروعات للمعاشات يُرفض ذلك".
وأضافت: "من كثرة ما طلبت قلت نعملها قاعدة عامة إن أي شركة تخصص يكون للمعاشات 10% منها فلم يستجيب لهذا والأكثر من هذا أنه كان كلما تم خصخصة شركة فلوس للمعاشات التي دفعها العامل على مدى 20 سنة مثلا لا ترد لوزارة التأمينات".
وذكرت أن "اعتراضي الأساسي على أنه عندما تباع شركة ترد للتأمينات الفلوس التي حوشوها من تلك الشركة فتراكم عليه مليار ونصف المليار من فلوس التأمينات لمعاشات الناس في وزارة قطاع الأعمال ، وكان هناك تبادل خطابات بيننا وقال لي (عبيد) مش عايز رجال التأمينات يكونوا موجودين أثناء بيع أي شركة لأنهم بيطفشوا المشتري عندما يعلم أن الشركة عليها 30 مليون للتأمينات فكانت البيعة بتتوقف ".
واستطردت قائلة: "كنا ندخل بفلوس التأمينات في الاستثمار الآمن وهى مشروعات الشركات الناجحة فمثلا اشترينا ربع شركة الاتصالات وأسمنت العامرية وحديد الدخيلة وشركة إسكندرية للكيماويات المعدنية وهى شركة كبيرة معروفة وناجحة جدا ، ووضعنا أموال التأمينات في تلك الشركات كاستثمار آمن".
ولكن للأسف الشديد "أجبرنا المسئولين عن الخصخصة أن نبيع الأسهم لمشتري آخر ، ولا أعلم لمصلحة من هذا فهو موقف الكل يتساءل نحوه وكانت الإجابة دائما إننا عايزين فلوس جديدة غير اللي عندنا ".
وأشارت إلى أن الحكومة ركزت على الاستثمار في الاتصالات "لأننا أدركنا أن مكسبها سيكون رائعا ، حيث إنني عشت في أمريكا خمس سنوات وعارفة أنهم خلصوا من الاستثمار في الحديد والاسمنت وستصبح الاتصالات هي الرائدة وعائدها كبير بالنسبة لأية صناعة أخرى ، وللأسف الشديد لم انجح في هذا وكانت هذه هي المنغصات التي واجهتني ".
وأكدت أنه برغم إجبارها على بيع أسهم التليفونات ، فالبعض كان يعترض ويتهمها بأنها وراء دخول أموال التأمينات في البورصة، الأمر الذي نفته كليا.
وقالت أنه في عام 1977 حدثت أزمة مالية في أسيا وسقطت كل بورصات أسيا مما أثر بالطبع على البورصة المصرية وكانت في بداية نشأتها ولديها نواقص كثيرة فرأوا أنه حتى لا تقع مثل ماليزيا وغيرها فيأخذوا نقود من التأمينات الاجتماعية والبنوك وغيرها ولذلك نصحناهم بألا تدخل التأمينات في البورصة خاصة أن التوقيت غير مناسب وإدارة الأسهم ليست قوية.
وأضافت أنه كانت إدارة أول مبلغ قيمته500 مليون دولار ، دفعت التأمينات منهم 200 مليون دولار والبنوك وشركات التأمين التي تتبع الدكتور يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد وقتها دفعت 300 مليون دولار، أي بنسبة 60% والتأمينات بنسبة 40%.
وأكدت أن وزير الاقتصاد هو الذي تابع دخول تلك الأموال للبورصة وما سمي وقتها بـ "الصندوق الشبح" خسر حوالي 32% من 500 مليون دولار وهي أموال البنوك وشركات التأمين.
"وأنا أرسلت لهم خطابا بأن يحضر حمدي عبد الغني وهو مسئول في وزارتي اجتماعات تقييم عملية دخول الأموال البورصة ، وهم اخذوا الجواب ونشروه في صحيفة "المصري اليوم" ونشر على لسان مساعد وزير المالية أنى أنا المسئولة عن ضياع أموال التأمينات في البورصة وهذا تزييف للحقائق فهم اللذين لم يضعوا القواعد ويكتبوا عقد ملزم ، وأنا اعتب على جريدة مثل المصري اليوم التي نشرت ذلك الكلام دون التأكد من صحته".
واختتمت قائلة: " ثم جاءوا مرة ثانية في أوائل عام 1998 والأزمة مازالت مستمرة سياسيا فطلبوا منا 900 مليون دولار فقلنا لهم إحنا اللي هاندير الموضوع هذه المرة وفعلا حدث هذا ودفعنا 900 مليون دولار وهم دفعوا 600 مليون فقط وأدرنا الموقف وأنشأنا محافظ لأكثر من شركة ونزلنا الأتعاب إلى 4 في الألف ثم شكلنا لجنتين تتابع أحوال التأمينات ونصبا الدكتور حسن عباس ذكى وزير اقتصاد سابق وصاحب شركة استثمار كبيرة وكان ملتزم بعمله جدا مسئولا عن ذلك".
وكانت التلاوي أشارت في لقاء سابق مع قناة المحور - حول مصدر فكرة القانون الجديد- إلى ضغوط مارسها البنك الدولي على مصر، والذي وجد أن هناك دينا كبيرا على الخزانة العامة للمعاشات، فتم إيقاف العمل بالقانون القديم، واقتراح آراء أخرى كان القانون الجديد محصلتها.
وأكدت التلاوي ضرورة وجود رؤية مستقبلية لاستثمار أموال التأمينات، وشجعت على إقامة مشاريع استراتيجية لها أولوياتها مثل تعميرسيناء.
وحول موقفها من وزير المالية، أوضحت أن غالي أعلن اكثر من مرة عن آراء ووجهات نظر لم تقلها، ونفت صحة ما ردده وزير المالية، مؤكدة أن غالي قد عرض عليها مع مسئول (سيتي بنك) استثمار أموال التأمينات بالخارج، إلا أنها رفضت بشكل قاطع.
ولفتت إلى وجود خلاف سابق بينها وبين وزير المالية، أثناء عملها كسفير مصر باليابان، وأنه في ظل سعيها الحثيث لإقامة كوبرى السلام بالسويس بأموال يابانية، اقترح غالي إنشاء (محارق للزبالة ) بتلك الأموال، إلا أنها أبدت اعتراضها بشدة على اقتراحه، وحذرته من تبيلغ الجانب الياباني بوجهة نظره حتى لا تكذب تصريحاته.
وطالبت بإنشاء هيئة مستقلة للتأمينات والمعاشات بعيدة عن وزارة المالية، وارفع الحد الأدنى للاجور وكذلك تحديد حد أقصى لها، وتوزيع عادل للثروة، وتحصيل الزكاة من البنوك التي بلغ رصيدها 800 مليار جنيه.
يُذكر أن الدكتورة ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية الأسبق ولدت في عام 1937 بمحافظة المنيا وتخرجت في الجامعة الأمريكية عام 1963 وعملت سكرتير أول وزارة الخارجية عام 1963 وما بين الأعوام 88 و 91 شغلت منصب سفيرة مصر في النمسا ، وبين الأعوام 1991 و1997 كانت سفيرة مصر في اليابان ، وهي أول مصرية تتولى منصب سكرتير عام مساعد للأمم المتحدة عام 1986 وبين الأعوام 1988 و1991 تبوأت منصب وزيرة الشئون الاجتماعية .
الجزيرة نت/ وكالات/ صحف