1027122   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
إسلاميات
الصيف جاء.. كيف تعبدُ الله فيه؟
28/05/2010

كتب-عبد الرحمن سعد:  عندما يقبل فصل الصيف، وتشتد الحرارة، يبدأ الناس يعانون من حره، وسخونة أجوائه، فنجدهم يحاولون تخفيف إحساسهم بشدة الحرارة بتخفيف ملابسهم، أو بالانتقال إلى المصايف؛ التماسا لنسمات باردة من الهواء، أو العناق المنعش لمياه البحار، مسارعين كذلك إلى نشر أجهزة التكييف والمراوح في بيوتهم وأعمالهم، اتقاء لأذى هذا الحر، وطلبا للجو اللطيف.
وعلى مستوى البشرية كلها، يشهد الصيف أيضا تخفف الكثيرين من ضغوط الحياة وأعبائها، وإخلادهم إلى شيء من الدعة والراحة، وانتقالهم لأماكن أخرى داخل بلادهم أو خارجها، من أجل الاصطياف، وتجديدا لنفوسهم وحياتهم، فيما يمثل نقطة انطلاق نحو تغيير النفس والحياة.
ولا بأس بالوسائل السابقة من أجل إنجاز هذا التغيير النفسي، وتنفيذ هذا التجديد الحياتي، ولكن: هل يمكن أن يتحقق التغيير بهذه الوسائل فقط.. أم أن هناك وسائل أخرى بإمكانها أن تخلُق هذا التغيير، وأن ترشدَه للأصوب والأفضل؟.
في هذا المقال أحاول أن أبحث عن وسائل أخرى من أجل تغيير النفس والمجتمع، باستثمار أوقات الصيف، وذلك بالنظر في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على أن يكون شعارنا خلال تلك الإجازة: العودة إلى الله تعالى، وتجديد الصلة والعلاقة معه، مع الاجتهاد في الطاعة، وحساب النفس ومُساءلتها، بُغية تقويمها، والاقتراب أكثر من الله تعالى، باعتبار ذلك المفتاح الحقيقي للتغيير والتجديد المنشودين.
الحَر آية من آيات الله تعالى
إن كلا من شدة الحر وشدة البرد آية من آيات الله تعالى. وقد جعل الله سبحانه وتعالى في المكان والزمان موضعا للتفكر والاعتبار، فبعض الأماكن حار مما يذكر بلهيب النار، وبعضها رطب مما يذكر بنعيم الجنة، كما أن "الزمان منه حار الطقس كالصيف، مما يذكر بحر جهنم، أو البارد كالشتاء، مما يذكر بزمهريرها، أو المعتدل كفصل الربيع، مما يذكر بنعيم أهل الجنة، وما أعده الله تعالى لأهلها من متاع"(1).
وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذِنَ لها بنَفَسَيْن، نَفَس في الشتاء ونَفَس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم".
وفي الحديث الصحيح: "إذا اشتد الحر فأبرِدوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"(2). ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فأبردوا عن الصلاة" أي: أخروا صلاة الظهر إلى حين يبرد النهار وتنكسر شدة الحر.
ولأن حر الدنيا لا يساوي شيئا بجانب حر جهنم، فينبغي لمن لا صبر له على حر الشمس في الدنيا أن يجتنب من الأعمال ما يتوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها ولا صبر.
"الحَر" في القرآن
ورد ذِكر الحَر في القرآن ثلاث مرات، الأولى في قوله عز وجل في سورة النحل، ممتنا على خلقه: "وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم". كما ورد مرتين في آية واحدة من سورة التوبة، إذ قال تعالى: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون". هكذا قال تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتعللهم بشدة الحر، وفرحهم بقعودهم بعد خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الغزوة.
لقد كان الخروج في تبوك في شدة الحر، وعند طيب الظلال والثمار، فلهذا قالوا: "لا تنفروا في الحر"، فقال الله تعالى لرسوله: "قل" لهم: "نار جهنم" التي تصيرون إليها بمخالفتكم "أشد حرا" مما فررتم منه من الحر بل أشد حرا من نار الدنيا "لو كانوا يفقهون" أي أنهم لو كانوا يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ليتقوا به حر جهنم الذي هو أضعاف هذا"(3)، لكنهم كانوا كمن قال الشاعر فيهم:" كالمستجير من الرمضاء بالنار".
ويكفي لتِبيان مدى شدة حرارة جهنم تقريب الإنسان إصبعه من نار ضعيفة، ولو مجرد لهب عود ثقاب، ليتبين مدى حجم عذاب جهنم -أعاذنا الله تعالى منه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من جهنم".. ففزع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقالوا: "والله إنْ كانت لكافية يا رسول الله".. فقال:" فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلها مثل حرها".. رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالى واصفا النار: "كلا إنها لظى نزاعة للشوَى". قال الضحاك: "تنزع الجلد واللحم عن العظم"! (4).
صور من الطاعات في الحر
- الصيام:
في الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة".
وكان الصحابة – رضي الله عنهم - يتفننون في طاعة ربهم، ومحاولة الاقتراب منه، فابتكروا ما سُمي بـ "ظمأ الهواجر"، وهو الإكثار من الصوم في شدة الحر، باعتباره مما يُضاعف ثوابه من الطاعات، لما فيه من الظمأ والعطش في اليوم القائظ شديد الحرارة، بل كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يتأسف عند موته على ما فاته من ظمأ الهواجر، وكذلك غيره من السلف.
واعتبر عمر - رضي الله عنه - الصوم في شدة الحر من خصال الإيمان التي وصى بها ابنه عبد الله عند موته، فقال: "عليك بخصال الإيمان".. وسمى أولها: "الصوم في شدة الحر في الصيف".
وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: "صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور"(5).
وهكذا، كان الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- يصومون اليوم الحار ليوم أشد حرا، وذلك من عُلو همتهم، ومبادرتهم  أيامهم بالصيام، كما كانوا يعطشون أنفسهم لله من أجل أن يرويهم الله تعالى يوم القيامة.
فلما صبر الصائمون لله تعالى في الحر على شدة العطش والظمأ أفرد لهم سبحانه وتعالى بابا من أبواب الجنة، وهو باب الريان، من دخله شرب وارتوى، ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدا، فإذا دخلوا أُغلق على من بعدهم فلا يدخل منه غيرهم.
- الاجتهاد في المشي للجمع والجماعات:
من أفضل القربات والطاعات المشي إلى المساجد للجُمَع والجماعات، وعدم التكاسل عن ذلك، بدعوى الحر وشدته، فقد كان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حر الظهيرة تذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، ذلك أن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف ذلك النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
- المسارعة لأداء الواجبات الاجتماعية:
من القربات أيضا الحرص على القيام بالواجبات الاجتماعية، كشهود الجنائز، وعيادة المرضى، وأداء حاجات المسلمين، وغيرها من الواجبات الموقوتة بأوقاتها، ووليدة ظروفها، التي ينبغي أن تُؤدى، ولا تتعطل بحجة الحر.
- استثمار فراغ الصيف:
يتحقق ذلك- على وجه الإجمال- باللجوء إلى المساجد، وإعمارها، وكثرة التردد عليها، وحضور دروس العلم، وحلق الذكر، وقراءة القرآن، وحفظ المزيد منه وتدبره، وحساب النفس، ومجاهدتها، وتأديبها وتهذيبها، وصلاة الليل، وقراءة الكتب النافعة، ومذاكرة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقي دورات في الأمور النافعة كتعلم الكمبيوتر، إضافة إلى الترفيه المشروع بمشاهدة الأشياء النافعة، والاستعداد للعام الجديد باستكمال ما لم يتم تنفيذه، ووضع الخطط السنوية، ونصف السنوية، والشهرية أيضا، والذهاب لأداء العمرة، وزيارة بيت الله الحرام، ودعم الجهاد الفلسطيني والعراقي ضد الاحتلالين الأمريكي والصهيوني، والدعاء، وتقديم أوجه الدعم لإخواننا المسلمين في كل مكان، مع صلة الأرحام، وتجديد أواصر العلاقات الاجتماعية .. إلخ.
- واجبات أسرية:
بوضع البرامج الأُسرية النافعة، واجتماع أفراد العائلة على تدارس القرآن، وموائد العلم، مع توجيه الأولاد إلى المساجد لحفظ القرآن، وتعلم الآداب الإسلامية.. وكذلك المتابعة المنزلية، وعقد الجلسات المفيدة، ومحاولة اقتراب أفراد الأسرة بعضهم من بعض، وتوفير وسائل الترويح المشروعة والنافعة للنفس وللجميع، دون الوقوع في الممارسات المضرة، أو المخالفة لشرع الله، وما أكثرها خلال أشهر الصيف، لاسيما الاختلاط المحرم، ومظاهر العُري، وعدم غض البصر.. حفظنا الله تعالى منها.
- الجهاد في سبيل الله:
كما رأينا في آية سورة التوبة، فإن أشد ألوان التعب على النفس، هو الجهاد في سبيل الله، بما يعنيه من الخروج والمسير في الحر، والتعرض لشدة الشمس، والشعور بالظمأ، وسرعة الإنهاك، ثم ملاقاة الأعداء، ومعاناة القتل، والضرب.. إلخ، فالجهاد أبو الطاعات، حيث يشتمل على كل أنواع العبادات من صلاة وصيام... إلخ.
ومن صور الجهاد أيضا - خلال الحر: بذل الجهد في حُسن الصلة بالله تعالى، والحرص على انتظام الحياة في مسلك العبادة، وأداء جميع الطاعات والعبادات المطلوبة، في أماكنها المشروعة، وأوقاتها المقدورة من شتى ألوان العبادة، كقيام الليل، والدعاء والاستغفار بالأسحار، وصلاة النوافل الراتبة، وركعتي أو ركعات الضُحى، وكذلك صلاة الوِتر، والحرص على أذكار الأحوال والصباح والمساء، مع تقوية صلة  "الأُخوة" بين المسلمين.
المراجع والهوامش:
1- الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، تحقيق : رضوان جامع رضوان، ط1، ( القاهرة، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، 1423 ه، 2002م )، ص: 406.
2- ( رواه البخاري (533)، ومسلم ( 5/199- نووي).
3- الإمام الحافظ إسماعيل ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ( القاهرة، دار البيان العربي )، ج : 2، ص:384 .
4- أزهري أحمد محمود، النار: منازل الآخرة وعبرة اليقظان، دار ابن خزيمة، الرياض، رسالة صغيرة.
5- الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي، مرجع سابق، ص : 410، بتصرف.


** مقال نشره للكاتب موقع "إسلام أون لاين.نت"


 

تعليقات القراء
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد