نحن لا نكف عن الكذب واستغفال الناس، أمس الأول (25/5) بث موقع «الجزيرة نت» خبرا يقول إن السيدة ميرفت التلاوى وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة اتهمت الحكومة فى مصر بمصادرة 435 مليار جنيه (نحو 85 مليار دولار أمريكى) من أموال أصحاب المعاشات لسد العجز فى الميزانية ودعم البورصة.
ونقل الموقع على لسانها قولها إن القانون الجديد للتأمينات الذى تخطط الحكومة لإصداره الآن يستهدف مسح هذا المبلغ وتقنين المصادرة، وذلك عن طريق خلط التأمينات مع الميزانية العامة.
بدا الخبر صادما لى على الأقل، فرجعت إلى السيدة ميرفت التلاوى، للتثبت من صحته. وجدتها فى مهمة عمل بموريتانيا. وقالت لى على الهاتف إنها صرحت بذلك فعلا، وأضافت أن الحكومة بدلا من أن تستثمر تلك الأموال لصالح أصحاب المعاشات لكى تحسن من أوضاعهم، فإنها لجأت إلى السحب منها كلما احتاجت لسداد الدين العام أو لسد العجز فى الموازنة.
سألت من أعرفهم من أهل الذكر فى الموضوع. فقالوا إن أموال التأمينات والمعاشات التى كانت فى حوزة وزارة التأمينات نقلت عمليا إلى وزارة الخزانة، وإن الحكومة ظلت تقترض منها لكى تسدد التزاماتها نظرا للعجز المستمر فى ميزان المدفوعات. وهذا الاقتراض يسمح به القانون. ولكن نقل التبعية بالكامل إلى وزارة الخزانة يعد إجراء مخالفا للقانون،
لأن ذلك مال خاص، لا ينبغى له أن يضم إلى الموازنة العامة. ذلك أن موظفى الحكومة وقطاع الأعمال تقطع من رواتبهم نسب معينة (16٪ من أجورهم و24٪ تغطيها جهات عملهم)، لكى تعينهم تلك المدخرات على تحمل أعباء الحياة بعد إحالتهم إلى التقاعد. وحين تلحق هذه الأموال بوزارة الخزانة فإن ذلك يحقق نتائج عدة، منها أن ما اقترضته الحكومة منها فى السابق قد سقط ولم يعد هناك سبيل لاسترداده، منها أيضا أن فرصة استثمار هذه الأموال على نحو ينفع تلك الشرائح الضعيفة من الموظفين المتقاعدين لم تعد متاحة.
لأن الحكومة أصدرت صكين اثنين مقابلها، أحدهما بنسبة 8٪ والآخر بنسبة 8.5٪، وهو ما يغلق الباب أمام إمكان نمو ذلك المورد، أما المستفيد الوحيد من تلك الخطوة فهو الحكومة ووزير الخزانة. ليس فقط لأن الضم يعفى الحكومة من سداد ما سبق أن اقترضته من أموال أصحاب المعاشات، ولكن أيضا لأن من شأنه تقليل الدين الحكومى وإظهار العجز بأقل من قيمته الحقيقية. باعتبار أن إدماج ذلك المبلغ الكبير من أموال التأمينات فى جانب الإيرادات سيعطى انطباعا كاذبا بالوفرة النسبية للموارد فى مواجهة المصروفات.
لقد أرادت الحكومة بفكرة الضم أن تتجمل وتضحك على الناس، لكى توهمهم بأن الاقتصاد المصرى بخير، وأن السياسة المالية ليس فيها ما يقلق. وإذا لاحظت أن ذلك تم وسط أجواء يلوح فيها شبح الأزمة المالية اليونانية، ويتساءل فيها الناس عن إمكان تكرار الأزمة فى مصر، فلن تغيب عنك دلالة التوقيت، وفهم الرسالة التى تستهدف إيهام الناس بأن الأمور على ما يرام وأن «كله تمام».
مما تجدر ملاحظته فى هذا الصدد أن الحكومة لجأت إلى التدليس فى الموضوع، فى حين أنها تعانى آثار الأوهام التى سوقتها لنا حين ادعت أن كله تمام فى موضوع مياه النيل، وفى الشكوى التى قدمتها إلى الفيفا بمناسبة مباراة كرة القدم الشهيرة مع الجزائر. وتبين بعد ذلك أنها لم تمتلك شجاعة إعلان الحقيقة ولم تتعامل مع القضيتين بما تستحقانه من جدية ومسئولية.
المشكلة أن المسئولين فى الحكومة وهم يلجأون إلى هذه الأساليب، فإنهم يتصرفون مطمئنين إلى أن أحدا لن يحاسبهم، وأن كل ما يشغل بالهم هو أن يظلوا موضع الثقة والقبول، حيث لا يهم لديهم أن يخسروا أى قضية طالما أنهم مشمولون بالرضا السامى.
بقلم: فهمي هويدي / جريدة الشروق /27 مايو 2010.