رفح من- عبد الرحمن سعد : بدموع الفرح, استقبل آلاف الفلسطينيين وأقاربهم, قرار الرئيس مبارك بفتح منفذ رفح البري( المعبر) بشكل يومي, واعتبروه قرارا ليس جديدا علي مبارك، الذي يقف دوما الي جانب الحق الفلسطيني, والشعب الفلسطيني, مؤكدين أن القرار جاء بمثابة طوق نجاة لأهالي غزة من الحصار الخانق الذي أصاب الحياة بالشلل هناك, وأصاب عشرات الفلسطينيين بالأمراض النفسية والجسدية. الأهرام كانت أول صحيفة مصرية وعربية تدخل المعبر, وترصد مشاعر السعادة الفلسطينية- والمصرية- بالقرار, وتستمع الي عشرات القصص الانسانية من أصحابها الذين جاءوا الي مصر لمواصلة رحلة العلاج او الدراسة او الانتقال لأماكن عملهم واقامتهم في بلدان أخري, او لزيارة أهلهم هناك, او حتي- زيارة أصدقائهم في مصر, بعد قيام أجهزة مدينة رفح, وادارة المعبر, بتقديم جميع التيسيرات والتسهيلات لهم, وهو ما فجر في قلوبهم شلالا من العواطف الجياشة تجاه مصر, وشعبها, وقيادتها.
وما بين البوابة الخارجية للمعبر, مرورا بالصالة الداخلية, وانتهاء بالبوابة الفلسطينية تواجدت تحقيقات الأهرام لتنقل بصدق الصورة من هناك, حيث تضاعف عدد المارين عبر المعبر ـ بمجرد صدور قرار الرئيس مبارك بفتحه ـ بحسب اللواء سامح عيسي رئيس مدينة رفح, في تصريحاته لـ الأهرام.
قرار مبارك جاء في الوقت المناسب. هكذا قال الدكتور موسي عمارة الطبيب الصيدلي في غزة, بعد أن اجتاز بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطيني الي الجانب المصري مضيفا: نحن نعاني في غزة من كرب عظيم بسبب الحصار, والمعاناة انتقلت من النواحي الاقتصادية الي النواحي النفسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني, حتي تحولت غزة الي سجن كبير, لذا أشكر الرئيس مبارك علي هذه اللفتة الطيبة, وأتمني استمرار فتح المعبر بشكل دائم.
الدكتور مرسي جاء الي المعبر, آملا في زيارة أصدقائه السابقين بجامعة المنصورة التي تخرج فيها, وتزوج من أهلها, مصطحبا معه ابنته الدكتورة ايمان التي قضت شهرين في غزة لزيارة أهلها هناك. تقول: غزة ميتة, والناس أصبحوا في حالات كثيرة مجرد أرواح, والوضع النفسي مأزوم, وينبغي ايجاد حلول لهذا الوضع, ولاشك أن رفع الحصار هو أهم حل لذلك. ولم يتمالك( أحمد محمد) دموعه, وقال بتأثر: جئت الي مصر لعلاج زوجتي, وطوال يومين ظللنا منتظرين لعبور المعبر, ولا نجد العلاج في غزة التي تعاني من نقص كبير في أدوية معنية وأجهزة طبية متخصصة خاصة أجهزة الأشعة, والمسح الذري, ومعامل التحاليل التي يطلبها الأطباء.
شفيقة جولاني سيدة فلسطينية لم تزر أهلها في الأردن منذ13 عاما- بحسب أقوالها- وتقول: أتمني أشوف أهلي وأرجع, مؤكدة أنها كربة منزل في غزة تعاني يوميا مثل أهلها, من غلاء الأسعار في كل سلعة, خاصة الزيوت, والسكر, والحليب وحضانات الأطفال ومستلزماتهم, وأن السبب في ذلك هو أن هذه البضائع تدخل إلي غزة من خلال الأنفاق, مما ضاعف من سعرها, وتقول: أتمني من الرئيس مبارك فتح المعبر بشكل دائم.
هبة حمدي فتاة فلسطينية ارتسمت تعابير الفرحة علي وجهها لدي خروجها من معبر رفح مع والديها الفلسطينيين وقالت: أتيت لإتمام الزواج من شاب مصري, ونصيبي الزواج من مصري لاننا أخوة, ولا يوجد مثل المصري في العالم.
أما والدها( حمدي) فيقول: ليس لنا غني عن مصر وشعبها, ولا يود أي فلسطيني ترك غزة أو هجر بيته وأهله إلا لضرورة ثم الرجوع مرة أخري, مشيرا إلي أن أكبر عدد من الذين يأتون إلي مصر من الفلسطينيين يأتون للدراسة, والعلاج, وزيارة أهلهم, وأن أكثر شيء يحتاجونه بغزة هو أسطوانات الغاز, التي تضاعفت أسعارها.
أم علي( فلسطينية) تقول: أتيت للعلاج بمعهد ناصر, والسلطات المصرية سهلت ــ كثيرا ــ دخولنا, لكن المشكلة كانت هي الزحام الشديد علي الجانب الفلسطيني, وعدم وجود باصات كافية لنقل الراغبين في المغادرة. أما أم سالمة فهمي من الضفة وقالت: أنا هنا في انتظار أولادي في غزة لكي أراهم, فآخر مرة رأيت ابنتي منذ أربع سنوات, ولديها ابنتان الآن, ويمثل فتح المعبر فرحة للقاء الآباء والأبناء المشتتين بين الضفة وغزة, وتضيف: أتمني من مصر استمرار جهود المصالحة التي بدأتها بين الفلسطينيين.. فأنا من الضفة ولكي أري أبنائي في غزة, بعد أن شردنا الاحتلال, كان لابد من أن أسافر إلي العقبة في الأردن, وبعدها إلي نويبع, ومنها إلي هنا في مصر برفح, لكي أري أبنائي, ثم أعود إلي الضفة مرة أخري بنفس الطريقة.
ياسين عبده( مشرف تربوي في مديرية التربية والتعليم في غزة) يقول إنه حصل علي إجازة لمرافقة ابنه عمر الذي يعاني من التواء وورم في قدمه وتصوير أشعة لها, وبرغم أن هذه الأشعة بسيطة, ويتم إجراؤها في كل مكان بالعالم, إلا أن أجهزتها غير متوافرة في غزة, وتنقصنا هي وأجهزة المسح الذري للعظام, ومعامل التحليل, علاوة علي أنواع معينة من الأدوية كما يقول.
أمر آخر يشير إليه ياسين, ويدلل به علي صعوبة المعيشة في غزة فلدينا الرمل, والزلط, وبطريقة معينة أمكن إعادة إنتاجهما, لرصف الطرق, بدلا من تركها كما هي مكسرة!
انتصار ابراهيم الزهارنة( من غزة) اصطحبت معها ابنتها كمرافقة للعلاج في مصر من مرض القلب, وتقول: الحياة في غزة أصبحت جحيما, فالمياه قليلة, والكهرباء دائمة الانقطاع, وتتابع: لم تواجهني أي مشكلة في مصر.
إبراهيم سليمان ابراهيم زعرب أصيب أثناء العدوان الاسرائيلي علي غزة, يقول: جئت إلي مصر للعلاج, ووجدت معاملة ممتازة من المصريين,.
أما وجيهة العتال( من غزة) فقد اصطحبت ابنتها هبة( التي تدرس بكلية التربية بجامعة الأزهر في غزة) وقد جاءت إلي مصر, بعد أن أجرت ابنتها هبة عملية تدبيس للمعدة في مستشفي فلسطين, وقد جاءتا سويا إلي مصر لأجل المتابعة مع الأطباء.
شوكت محمد إبراهيم لا يحمل هوية فلسطينية, وإنما يحمل وثيقة مصرية وظل يعمل بمصر منذ عام1962, وتزوج وأنجب أبناء بها, لكن أسرته في خان يونس, ويقول: أريد أن أعيش في غزة والاستقرار هناك مع أبنائي. ويتابع حديثه: رجائي من السلطات المصرية ألا تترك جهود المصالحة الفلسطينية.
شيرين بركات تتساءل: لماذا يحرم الفلسطينيون, دون بقية الشعوب, من استخدام مطارهم, بدل المعاناة عبر السفر البري داعية إلي توفير خدمات أكثر لمعبر رفح سواء أماكن انتظار, وحمامات صحية و...إلخ, موضحة أنها ترافق والدتها نزهة يوسف خليل مشمش من المجدال في غزة, لإجراء عملية في ركبتها بمصر, وتقول نزهة بدورها: إنه لا شغل ولا عمل متوفران في غزة.
زاهر أحمد:( طالب فلسطيني بالمعهد العالي للسياحة والفنادق في العريش) يقول: أنا كطالب كنت أعرف انني إذا توجهت لغزة فلن أستطيع العودة إلا خلال أسابيع أو شهور, مما قد يضيع الامتحانات علي, نتيجة عدم الانتظام في تشغيل المعبر, ولكن بعد قرار الرئيس مبارك فقد تبددت مخاوفي وقررت زيارة الأهل في غزة.
تواجدت أيضا هند العبلاني( مصطافة كويتية وأقاربها) قالت: أحب المجيء والاصطياف بسيناء, نظرا لروحانية المكان, وجئت إلي معبر رفح خصيصا كنوع من السياحة الانسانية, وذلك لمطالعة معاناة الناس عن قرب, ونقلها للآخرين بعد الاحساس بها, لكنني لم أجد أي معاناة بين الناس هذه المرة عند زيارتي للمعبر!
علي معبر رفح وجد أيضا مجموعة من الصحفيين من دول عدة في العالم, كلهم يريدون التوجه إلي غزة, لإنجاز موضوعات صحفية من هناك, فهذان هما الصحفيان السويديان ستافان ليودبيرج وأوربان أندرسون, ويعملان لصحيفة أفتون بلاديت ويؤكدان انهما يتطلعان إلي إنجاز موضوعات من غزة تستطلع آراء الناس وكيف يفكرون هناك؟ وماذا يفعلون؟
مراد صابونجي( صحفي بجريدة ميلليت التركية باسطنبول) وجد علي المعبر أيضا, موفدا من صحيفته لكتابة تقارير عن غزة, يقول: نريد أن نعرف ــ نحن الأتراك ــ ماذا حدث ويحدث من الناحية الإنسانية هناك, فحصار غزة ليس قضية عربية فقط, ولكنه قضية إنسانية أيضا, مشيرا إلي أن الاهتمام التركي بالشأن الفلسطيني قد تضاعف بعد العدوان الاسرائيلي علي أسطول الحرية, ومعظم من كان فيه من الأتراك.
بولينا بوني( مصورة صحفية بلجيكية) تعمل لحساب لوموند ماجازين الفرنسية تقول إنها كانت في غزة منذ سنة وتكررت زيارتها هذه المرة إليها من أجل عمل تقارير مصورة عن الأوضاع الصحية.
وعلي المعبر تواجد أيضا صحفيون أمريكيون, فضلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم, وقالوا إنهم ذاهبون إلي غزة للغرض نفسه.
وفي السياق نفسه, وجد مستثمرون فلسطينيون علي المعبر, يقول أشرف حمدان:( أنا من غزة, لكنني أمتلك مصنعا في السودان, وخلال السنوات الثلاث الماضية لم أفكر في زيارة غزة, ولكن بعد قرار الرئيس مبارك بفتح المعبر بشكل يومي, والاجراءات الميسرة في الدخول والخروج, إلي ومن غزة, فقد انتعشت آمالي بزيارتها, وأشكر الرئيس مبارك علي قراره, وأتمني عليه فتح المعبر بشكل كلي, ودائم, وهذا جميل لن ينساه له الشعب الفلسطيني.
القضاء علي المعاناة أمر يتفق معه اللواء سامح عيسي رئيس مدينة رفح, مؤكدا أنه منذ أصدر الرئيس مبارك قراره بفتح المعبر إلي إشعار آخر, وقد تضاعف عدد العابرين من خلاله, في الأيام الماضية, وتم نقل معونات تمثلت ــ خلال أول يومين بعد القرار ــ في13 مولدا كهربائيا, و1300 بطانية, و107 خيام, وملابس ومساعدات طبية وغذائية أخري, مقدمة من الهلال الأحمر المصري, والجمعيات الأهلية.
وتابع حديثه: معبر رفح مفتوح بدون توقيتات إيقاف لحين إشعار آخر, ويتم تقديم جميع الخدمات والتيسيرات في المعبر للمغادرين من كلا الجانبين المصري والفلسطيني, ولم نتلق أي شكاوي, وتقوم أجهزة المعبر بتذليل أي صعاب, وملتزمون بتنفيذ القرار الرئاسي, وتعليمات الرئيس مبارك, في تقديم جميع التسهيلات الممكنة.
ويوضح رئيس مدينة رفح أنه منذ بداية العام الحالي2010, وحتي آخر شهر مايو الماضي, تم استخدام المعبر, في المرور عبر الاتجاهين المصري والفلسطيني, من قبل نحو ثلاثين ألف شخص, غالبيتهم من الفلسطينيين, في حين بلغت كمية المساعدات التي دخلت إلي القطاع, خلال تلك الفترة, نحو650 ألف طن, تتنوع بين جميع أنواع المساعدات.
تحقيق نُشر بجريدة الأهرام/6 يونيو 2010 /ورابطه على النت هو : http://www.ahram.org.eg/189/2010/06/06/3/23634.aspx