1027037   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
إعلام وصحافة
صحافة الاستقصاء العربية.. في انتظار المنقذ
04/04/2010

تحليل:عبدالرحمن سعد


دوما ما وجّه المواطنون البسطاء انتقادات لاذعة إلى الصحفيين الذين يعرفونهم بحكم الصدفة أو الجيرة، وهي انتقادات تدور في مجملها حول الدور الذي يقومون به، ويلخصها التساؤل: لماذا صحفيونا لا يقومون بما يقوم به الصحفيون في الغرب؟!
وهو سؤال حق، ورغم بساطته فإنه يخفي رغبة مكتومة في طموح أن تكون هناك صحافة قوية محققة تقوم بدور سلطة رابعة لا وجود عمليا لها في معظم الدول العربية.
ومؤخرا طفا الحديث عن صحافة الاستقصاء أو العمق بعد أن زار كل من الصحفي المحقق الكبير "سيمور هيرش" والصحفي "روبرت فيسك"، ومن ثم الدورة التي نفذتها "مؤسسة هيكل للصحافة"، والتي ركزت على صحافة العمق وخرجت ما يقرب من 30 صحفيا بعد أن جمعتهم شهرا كاملا.
المستقبل
أحد تصريحات "هيرش" التي تناقلتها وسائل الإعلام كانت عبارة عن ثلاث كلمات "مستقبل الصحافة في صحافة العمق"، وهي جملة يفترض أن تحفر عميقا في وجدان الصحفيين والمؤسسات الإعلامية المختلفة في ظل ما يتهددها من مخاطر وصعوبات مالية وتنافسية، ومن عزوف المواطنين عن متابعتها.
"هيرش" يتناول المسألة من مدخل مختلف عما اعتدنا عليه، وهو أن صحافة الاستقصاء أو العمق هي مدخل لبقاء وسائل الإعلام عموما والصحافة خاصة على قيد الحياة، في ظل التحولات الكثيرة التي تنال عالم "الميديا".
ولن نردد كالعادة كلمات من قبيل أن صحافة "الاستقصاء تمثل ضرورة لنهوض أي مجتمع"، بل هي هنا تحديدا ضرورة لنهوض الصحافة مؤسساتيا، ومبرر لوجودها.
فتصريحات "هيرش" السابقة تلفت الانتباه إلى ما يتجاوز "كليشاتنا" السابقة؛ فالمسألة أصبحت أخطر وأصعب، وفاتحة السؤال: ما الذي يجعل من واقع حال صحافتنا بلا مستقبل في حين تتقدم الصحافة عالميا صائغة لنفسها تراثا يقرن بأدوار تمارسها تجاه نفسها وتجاه المجتمعات التي تنتمي إليها؟.
صحافة التقصي أو الاستقصاء أو العمق هي مصطلح عمره يزيد على نصف قرن في دول العالم المتقدم، وتحديدًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو يعني سبر أغوار الظواهر المجتمعية المختلفة، ومحاولة الوصول إلى عُمقها، ابتغاء تجلية حقيقتها أمام الرأي العام، أيا كانت هذه الحقيقة، وأيًا كان مَن يوافقها أو يجافيها.
بين العرب والغرب
هذا اللون من الصحافة مارسته الصحافة المصرية والعربية بشكل غير منهجي وبدرجات متفاوتة عبر تاريخها، والعجيب أنه ازدهر خلال النصف الأول من القرن الماضي إبان عهد الاحتلال الإنجليزي، فكانت أكبر تجلياته إماطة اللثام عن فضيحة الأسلحة الفاسدة التي تم تزويد الجيش المصري بها في مواجهته مع العصابات الصهيونية بفلسطين المحتلة عام 1948، تلك الفضيحة التي فجرها الكاتب الصحفي "إحسان عبد القدوس" عام 1949، وعدها البعض من أسباب التئام تنظيم الضباط الأحرار، وإرهاصات التغيير في مصر عام 1952
هذا الازدهار النسبي لصحافة الاستقصاء في مصر تعرض للخفوت في خلال العقود التالية، وإن كان قد عاود محاولة اكتساب أرضية له، مع عودة العمل بنظام التعددية الحزبية في مصر عام 1976؛ إذ شهدت بعض الصحف دورًا بناءً في كشف فساد بعض كبار الوزراء والمسئولين الحكوميين، بل وإقالتهم (زكي بدر وزير الداخلية الأسبق كمثال).
هذا على مستوى الداخل المصري والعربي، أما على صعيد الخارج الغربي فإن صحافة "الاستقصاء" أسهمت في إحداث تغيير كبير في مناطق مختلفة من العالم، وليس أدل على ذلك من إسقاط الرئيس الأمريكي نيكسون الذي تقدم باستقالته من منصب الرئاسة في عام 1974 على إثر فضيحة ووترجيت التي فجرها الصحفي الشهير "بوب وود ورد"، في جريدة "واشنطن بوست".
"وود ورد" عاد لممارسة دوره الاستقصائي بشكل قوي مرة أخرى بعد ذلك بأكثر من ربع قرن من خلال كتابه الأخير "خطة الهجوم" الذي كشف فيه خبايا العدوان الأمريكي على العراق وحقيقة أدوار النظم العربية فيه، ملقيا الضوء على رسائل الرئيس المصري حسني مبارك وزيارات ابنه "جمال" السرية إلى واشنطن، حاملا معه هذه الرسائل إلى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش.
الآن تلمع في سماء الغرب أسماء بعينها في مجال إبداع هذه الصحافة، مثل: سيمور هيرش.. الصحفي اليهودي الأمريكي الذي فضح تفاصيل مذبحة "ماي لاي" في فيتنام عام 1969، وكشف النقاب للمرة الأولى عن الترسانة النووية الصهيونية التي كانت سرا غامضا لعشرات السنين في كتابه "الخيار شمشون" في عام 1991، إضافة إلى إسهامه في كشف وقائع تعذيب المسجونين العراقيين في سجن "أبو غريب".
وفيما يطول الحديث عن نماذج الصحفيين الاستقصائيين في الغرب، من فرط كثرتهم.. نعاني في مصر والدول العربية من ندرة هذه النماذج، وغياب منهجية العمل الاستقصائي بصحافتنا.
حرب المعلومات
الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام مدير مركز البحوث والتدريب والتوثيق الصحفي بجامعة القاهرة، يجيب عن السؤال بالقول: إن أكبر مشكلة تواجه الصحفي الاستقصائي هي عدم قدرته على الوصول إلى المعلومات والوثائق، خاصة أن الهاجس الأمني مرتفع جدًا، وبالتالي يتعرض الصحفي للمنع من الحصول على المعلومة، فضلا عن منعه من الدخول إلى مواقع الحدث.
وكأمثلة على ذلك -يوضح د.خليل- إعلان السلطات السعودية مؤخرًا عن الكشف عن خلية إرهابية واسعة.. فقد مُنعت الصحافة الاستقصائية من أن تؤدي دورها الذي يشبه الأداة الرقابية فيما وراء هذا الإعلان، وهو دور رقابي كاشف عن الأخطار التي يمكن أن تهدد المجتمع، والأخطاء التي قد تقع فيها السلطة التنفيذية.
هناك أيضًا -يضيف د.خليل- مثال بدو سيناء في مصر الذين تعرضوا للضيم والإهمال، وحيل بينهم وبين وصول التغطية الإعلامية الاستقصائية إليهم لمعرفة احتياجاتهم، بحيث لم يجدوا مفرًا -كما حدث- من الاعتصام قرب الحدود مع الاحتلال الصهيوني للمطالبة بكف يد الشرطة عنهم.
عند هذه النقطة، يؤكد الصحفي المصري "أيمن السيسي" الذي كشف عن فضيحة اللبن المغشوش مؤخرا، أن عدم توفر المعلومات يجعلك "تحارب" من أجل الحصول عليها، مشيرًا في هذا الصدد إلى عدم وجود قواعد بيانات صحيحة ولا أرقام حقيقية في أي مكان يخص مادة التحقيق؛ وهو ما يفرض عبئًا حقيقيًا عند البحث ومحاولة الاقتراب من الأرقام السليمة.
نفس قصير
ويضيف السيسي: أما عند المسئول فأنت تفاجأ بشعور يتملكه هو الخوف بل الرعب من الحديث في أي موضوع، خشية التورط فيما لا يعجب رؤساءه، فيطيحون به، ومن هنا يُضطر الصحفي الذي يتعرض لتلك الموضوعات إلى بذل جهود كبيرة ومضاعفة من أجل الحصول على مادة تحقيقه.
هنا يؤكد الدكتور "محمود خليل" أن طبيعة الأداء الذي يحكم الإعلام المصري هي الاعتماد على النفس القصير، وتقديم منتج لا يُلتفت إلى مدى جودته، مع أن الاستقصاء يتطلب عمليات إعداد وتحضير قد تستغرق فترات زمنية طويلة.
ويتابع: هناك أيضًا عامل التكنولوجيا؛ إذ لا بد من أن يتسلح المحرر الاستقصائي بأدوات تقنية غالية الثمن، وقد يحتاج إلى تمويل يمكنه من السفر، من أجل تقصي واستخلاص حقائق معينة، في حين الصحافة المصرية لا تؤمن بفكرة الموضوع "المموَّل"؛ لأنها تؤمن فقط بالموضوع "المموِّل!".
رهبنة صحفية
"صحافة الاستقصاء تحتاج إلى قدر كبير من التفرغ، وقيام الصحفي ببذل قدر كبير من جهده ووقته في الموضوع، وهو ما لا يحتل أولوية لدى الصحفي في مصر الذي يريد إنجاز أكبر عدد من الأعمال الصحفية في أقل وقت ممكن، وبأقل جهد، وأقل كلفة مادية"، هذا ما يؤكده الدكتور هشام عبد الغفار مدرس الصحافة بقسم الإعلام بآداب حلوان.
وبالنسبة للعلاقة بالمصادر والرؤساء في العمل -يوضح د.عبد الغفار- تخلق صحافة الاستقصاء عداوات بين الصحفي والكثير من مصادره، كما تؤدي إلى نشأة حساسيات بينه وبين رؤسائه في العمل، بل وصل الأمر ببعض المسئولين إلى إصدار أوامر بمنع صحفيين من الدخول إلى مؤسساتهم، وإقصائهم عن تغطية أخبارها.
ويضيف: "على كل من يمتهن الصحافة الاستقصائية أن يدفع الثمن".
ويحذر "عبد الغفار" من أن الظروف الحالية في مصر تجري في مجملها ضد العمق في التغطية، وهذا يتطلب من الصحفي الانتماء إلى مدرسة "الزهاد"، واللجوء إلى نوع من "الرهبنة" الصحفية؛ لأن إنجاز الموضوع المعمق يتطلب العمل فيه شهرًا أو شهرين.. بعكس المدرسة التقليدية في الصحافة التي تقوم على إنجاز أكبر عدد من الموضوعات بأقل كلفة وأكبر عائد.
"لا أحد يكتب"
وعن أسباب فشل الصحفي في إنجاز تحقيقاته يشير "أيمن السيسي" إلى عدم وجود ثقافة وطنية لدى المواطنين، تدفعهم للحرص على الوطن ومقدراته، عبر الإبلاغ عن أي إهمال أو انحراف أو تقصير، حتى أصبح الأمر بمثابة "تجذر في ثقافة اللامبالاة والأنامالية" عند الجمهور.
فيما ينحى الدكتور محمود خليل باللائمة على عدم احترام الرأي العام.. فالرسميون في مجتمعاتنا لا يحترمون الرأي العام؛ لكونهم لا يحترمون عقل المواطن.. وفي الوقت نفسه يشارك الإعلام في هذه الجريمة؛ إذ لا يأخذ في الاعتبار أن يقدم للمواطن الحقائق الواضحة والجوهرية والموضوعية حول الأمور المختلفة.
ويضيف: من هنا تشيع بين الصحفيين مقولة: "لا أحد يقرأ"، مع أن المشكلة فيمن يكتب، وليست فيمن يقرأ.. بمعنى أنه: "لا أحد يقرأ لأنه لا أحد يكتب!".
دائرة كهربائية
هنا يوضح الدكتور هشام عبد الغفار أن الرأي العام في الغرب يمتلك قدرة كبيرة على التأثير على القيادات السياسية؛ فهناك "دائرة كهربائية" متكاملة ما بين الجمهور والصحافة والمسئول السياسي؛ فالعمل الصحفي الجيد يؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بالتبعية في المسئولين السياسيين؛ وهو ما ينعكس على وزن العمل الصحفي؛ إذ يتم تقويمه بتأثيره السياسي.
أما في مصر -يتابع د.عبد الغفار- فإنه حتى لو أثر العمل الصحفي في الرأي العام فإنه لا يستطيع التأثير في المسئولين السياسيين؛ فدائرة التأثير غير مكتملة، والصحافة تقوم بدورها كجزر منعزلة. ومن هنا فإن الجمهور معذور لأنه يعرف أن المسئولين لا يتأثرون بما يُكتب، ومن هنا تنشأ مقولة "كلام جرائد!".
أخيرًا فإن البيئة في مجتمعاتنا العربية -كما يشير "د.عبد الغفار"- تفتقد لأدوات التحفيز للعمل بالمفهوم الاستقصائي؛ فلا إشباع ماديا ولا معنويا، ولو أن سيمور هيرش في عمله الاستقصائي كان في مصر لكان هناك شك كبير في استمراره بالصحافة الاستقصائية؛ فلا "مظلة حماية" توفرها لك مؤسستك الصحفية أو نقابة الصحفيين، فيما الحال في الغرب مختلف "فثقافة الانتقاد" تمثل قاطرة تقود المجتمع في جميع مؤسساته استنادًا إلى ما توفره صحافة الاستقصاء من صدق في التناول، وعمق في المعالجة، وتميز في الطرح، وبحث خلف الكواليس، فضلا عن دور كاشف يساعد صانع القرار والرأي العام في تحديد الاتجاه إزاء قضية ما.

 ميديا  -  إسلام أون لاين     ثقافة وفن  السبت. 23 يونيو2007
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1182444994572&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout

تعليقات القراء
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد