تقرير:عبدالرحمن سعد
علي مرمي البصر, تمتد حقول قصب السكر بمحافظات الصعيد الجواني, حيث يشتد عوده مع نمو كل طفل صعيدي, وترتفع قامته, بارتفاع آمال كل مزارع, باعتباره الصديق الذي لايستغني عنه, إذ يبقي معه منذ شروق الشمس حتي غروبها, مترقبا موعد حصاده مرتين في العام, فيبثه أشواقه وأشجانه, وأحلامه وشكاياته.. لكن هذا الصديق يعاني اليوم من إهمال قيمته, برغم أنه المحصول الاستراتيجي الأول في الصعيد الذي لايستغني شخص عن منتج السكر الذي يستخرج منه.
ليس مبالغة القول إن محصول قصب السكر هو أهم محصول استراتيجي في محافظات الصعيد, إذ يعتبر المادة الخام الرئيسية لصناعة السكر بمصر, لأنه يتم إنتاج مليون طن سنويا من السكر من نحو عشرة ملايين طن قصب, بينما يبلغ متوسط محصول الفدان نحو أربعين طنا.
ويشكل المحصول مجتمعا مميزا في مناطق الصعيد, وتحديدا بمحافظات قنا وأسوان وسوهاج والمنيا, إذ تكونت له قاعدة زراعية ممثلة في الغالبية العظمي من المواطنين بهذه المحافظات, وبلغت مساحة الأرض المزروعة به نحو ثلاثمائة ألف فدان, كما أقامت له الدولة عددا من المصانع تبلغ ثمانية مصانع تابعة لشركة السكر والصناعات التكميلية, وأدرجت لها مليارات الجنيهات, لتنفيذ مشروعات التطوير والإحلال, والتجديد والتوسع, كما أقامت قواعد صناعية أخري, اعتمدت علي هذا المحصول, إذ تخصصت في تصنيع سبعة منتجات رئيسية أهمها الخشب والورق والمولاس, وغيرها بالاضافة إلي22 منتجا ثانويا, تبلغ قيمتها ـ في أقل التقديرات ما يزيد علي أربعة مليارات جنيه, وذلك حسب تقارير رسمية.
رفع سعر التوريد
يعاني مزارعو القصب اليوم الأمرين, فلا الحكومة تهتم بتحفيزهم بشكل مرض, وبالتالي يعطي الفدان40 طن قصب فقط, ولا هي تقف إلي جانبهم, فتوقف الاستيراد, مما يؤدي إلي رفع أسعار القصب, والسكر, وبدون أي نتيجة إيجابية تنعكس علي أحوال مزارعيه, أو زيادة دخولهم البائسة, مع أن الحكومة تتحمل زيادة ثمن السكر المستورد عالميا, لكنها ليست علي استعداد لتحمل أي زيادة في سعر التوريد للفلاحين!
وهنا مربط الفرس, إذ يطالب المزارعون ـ كما يقول عجلان حسن( مزارع قصب) ـ بأن تقوم الحكومة برفع سعر توريد المحصول إلي المصانع إلي مائتي جنيه للطن, حتي يتحقق للمزارعين ما يحفزهم علي الاهتمام بالمحصول, وتلافي الآثار السلبية لانخفاض الانتاج المحلي, علما بأن الحكومة استجابت لمطلب رفع سعر توريد قصب السكر لمصانع السكر في خلال العام(2005-2006), من130 إلي150 جنيها للطن.
ويطالب عبدالمعطي جبريل( مزارع قصب) بالسيطرة علي الزيادة المطردة في تكاليف الإنتاج, ومنها ـ علي سبيل المثال ـ ارتفاع إيجار الفدان الذي يبلغ نحو أربعة آلاف جنيه, خاصة بعد تطبيق قانون تعديل العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية, وارتفاع تكاليف العمالة خاصة أن القصب من المحاصيل كثيفة العمالة, إذ يبلغ أجر العامل اليومي ما يزيد علي25 جنيها في اليوم, وكذلك ارتفاع أسعار المبيدات التي وصلت إلي حدود كبيرة في مختلف أنواعها, علاوة علي ارتفاع أسعار الأسمدة مع أن احتياجات الفدان تبلغ20 جوالا بالإضافة إلي ارتفاع تكلفة عمليات الخدمة الآلية, وعمليات الكسر والحصاد والنقل والتحميل, وتقدر تكاليف إنتاج الفدان بنحو5,2 ألف جنيه يتحملها المزارع, وبالتالي فإن الثمن الذي يحصل عليه يبلغ نحو خمسة آلاف جنيه, أي أن هناك خسارة تلحق بعدد كبير من المزارعين, مما يؤدي إلي إحجامهم عن الاستمرار في زراعة المحصول, أو إعطائه العناية الواجبة.
أمر ثالث يشدد عليه رمضان محمد( مزارع قصب) هو ضرورة تشجيع المزارعين علي التوسع في مساحات القصب, والسيطرة علي الفجوة بين الإنتاج والاحتياجات, وكذلك تجنب زيادة الكميات المستوردة, التي تتعرض لتقلبات سعرية, قد يكون لها انعكاسات سلبية علي الاقتصاد القومي.
مطالب برلمانية
المطالب السابقة يعززها تقرير وضعته لجنة الزراعة والري بمجلس الشعب, أوصي بالتوسع في مساحات القصب بمحافظات الصعيد في الحدود التي توافق عليها وزارة الموارد المائية والري, علما بأن الاحتياجات المائية لمحصول القصب تعادل المحاصيل المزروعة في نفس فترة بقاء المحصول التي تبلغ نحو12 شهرا, هذا فضلا عن أن العبرة ليست بالاحتياج المائي بل بالعائد الاقتصادي من وحدة المياه, وهو عائد متعاظم من زراعة القصب, وكذلك إعادة النظر في أسعار توريد المحصول بصفة دورية, وأن تتم إعادة تقدير السعر ليصل إلي مائتي جنيه للطن.
من هنا تقدم عبدالرحيم الغول رئيس اللجنة بطلب إحاطة عاجل, هو وأعضاء محافظات الصعيد( أسيوط وأسوان وسوهاج وقنا), مطالبين برفع سعر توريد طن قصب السكر المورد للمصانع إلي مائتي جنيه, مشيرين في الوقت ذاته إلي أن الحكومة أولت عناية خاصة بمحصول القصب, فأنشأت الأجهزة العلمية المختصة بتطوير سلالاته, ونفذت مشروعات وتحسين الخدمات الإرشادية الخاصة بتسوية الأرض بالليزر والحرث تحت التربة, وغيرها من الخدمات.
وإلي أن تتم الاستجابة لطلب الإحاطة فيكفي أن نعلم أن احتياجات مصر من السكر تبلغ مليونين ونصف المليون طن, وهذا الرقم يمثل الاستهلاك الحقيقي لسلعة السكر في مصر, إذ يتم إنتاج مليون طن من محصول قصب السكر من خلال زراعة300 ألف فدان في المحافظات المشار إليها, ويتم أيضا توفير نحو خمسمائة ألف طن سكر من تصنيع بنجر السكر الذي يتم زراعته في محافظات الوجه البحري, وبذلك تستطيع قدراتنا المحلية توفير نحو مليون ونصف المليون طن من السكر لكن يتبقي نحو مليون طن سكر, تمثل الفجوة بين الانتاج والاستهلاك, وهذه الكمية يتم استيرادها من الخارج.
يحدث هذا برغم أن الأسواق العالمية شهدت ارتفاعا كبيرا في سعر طن السكر, ترتب عليه ارتفاع أسعار السكر المستورد من الخارج, مما يقتضي العمل علي زيادة الإنتاج المحلي للتخفيف من الأعباء الكبيرة التي يتحملها ميزان المدفوعات, وفي الوقت نفسه
زيادة سعر التوريد لتحفيز المزارعين علي زرعاته, والعناية به
44168 السنة 132-العدد 2007 نوفمبر 10 29 مـن شوال 1428 هـ السبت
تحقيقات- الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2007/11/10/INVE4.HTM