بقلم : عبدالرحمن سعد - ذكرني مشهد السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، وهو يولي هاربا من أمام السيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المنتخبة شعبيا ، متهربا من الظهور معه في مؤتمر صحفي ، لدى زيارته الأولى للقطاع منذ بدء الحصار المشدد عليه قبل نحو أربع سنوات ، يوم الأحد 13 يونيو الجاري ، ذكرني بمشهده وهو يذوب في مقعده ، حتى كاد يبتلعه ، بعد أن انتهى شيمون بيريز رئيس الدولة اليهودية من إلقاء إفكه في مؤتمر دافوس (يناير من العام الماضي) ، إذ عندما هم رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي بالانصراف غاضبا احتجاجا على عدم منحه الوقت الكافي للرد على بيريز ، ظل موسى قابعا في مقعده ، ثم نهض سريعا لمصافحة أردوغان بحرارة ، موليا ظهره قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، كأنما تحدثه نفسه بالتضامن في الانصراف مع أردوغان ، لكنه تراجع عن ذلك بمجرد نظرة زاجرة له من الأمين العام للأمم المتحدة ، الذي أشاح له بيده أن اجلس ، فعاد موسى صاغرا إلى مقعده!
قيل في تفسير المشهد الجديد لموسى مع هنية هو أن السيد الأمين العام لا يريد أن يضفي شرعية على حكومة الأخير، حتى إنه لما ألح عليه هنية في العودة للمؤتمر الصحفي تكلم موسى بعبارات قليلة ومقتضبة ، ثم ألقى بالميكروفون سريعا في يد هنية كأنما مسه عقرب ، وعندما أخذ هنية في الحديث فضل السيد الأمين العام أن يدير حوارا مع مدير مكتبه هشام يوسف ، غير مبال بالإنصات إلى ما يقوله هنية !
موسى كان قد رفض أساسا أن يكون اللقاء في مقر مجلس الوزراء الفلسطيني ، وبعد التفاوض مع الجانب الفلسطيني تم الاتفاق على أن يُعقد اللقاء في بيت هنية بمخيم الشاطيء.. هذا الموقف الجديد جزء من موقف عام يتبناه الأمين العام في الجامعة من حماس ، فمسئولوها غير مصرح لهم بالظهور في الجامعة ، وعندما عقدت الجامعة مؤتمرها بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع قبل أكثر من عام ، فإنها لم توجه الدعوة إلى أي من مسئولي حماس لحضور المؤتمر ، على عكس مؤتمر قطر الذي شهد احتفاء برموزها ، وإعطاء الكلمة الأساسية لخالد مشعل مدير مكتبها السياسي.
طبعا السيد عمرو موسى يزور غزة في وقت لا حاجة لها فيه إليه فالأمين العام للجامعة العربية لم يمتلك شجاعة اتخاذ القرار بزيارتها مثلما فعل "بان كي مون" عقب العدوان الإسرائيلي مباشرة على غزة.. وخلال أكثر من أربع سنوات من الحصار لم يزر موسى القطاع أبدا في وقت كان أهلها يحتاجون إلى هذه الزيارة .. الآن يزور موسى غزة في وقت لا تحتاج إليه فيه بعد أن تحرك العالم كله ، بدافع من تركيا القوية ، لفك الحصار عن غزة ، وتدرس إسرائل نفسها وسائل رفع هذا الحصار ، فيما يشبه ركوب الموجة من الأمين العام ، ومحاولة لترميم شعبيته المنهارة في الشارع العربي.
إذا كان مفهوما عداء بعض النظم العربية لحركة المقاومة الإسلامية بحكم ارتهان مقاعدها بالرضا الأمريكي والإسرائيلي ، الذي صرح به جهرة الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب المصري.. فلماذا ينقل موسى هذا العداء إلى جامعته من الحركة ، وهي حركة مقاومة لاحتلال غاصب ، وحكومتها أشرف من أي حكومة أخرى جاءت بالتعيين والتزوير ، إذ جاءت بانتخابات حرة لم تشهدها أي عاصمة عربية ؟.
لقد خانت الكياسة السيد عمرو موسى مظهرا وجوهرا في الموقف المشار إليه ، وكنت أتمنى أن يلبي الدعوة للحديث في المؤتمر الصحفي ، وأن يستهل زيارته للقطاع بالاعتذار لأهله عن أنه جاء متأخرا جدا .
أيضا كنت أتمنى أن يتوقف موسى عن فذلكاته اللغوية ، وأن يقدم أسوة عملية بأن يدخل غزة جوا ، لا برا ، وأن يصر على نزول طائرته في مطار غزة الدولي ، الذي حضر هو بنفسه مراسم تدشينه قبل سنوات ، فبذلك كان يمكن أن يعطي زخما قويا لكسر الحصار بدلا من وعوده التي أغرقنا فيها منذ سنوات دون بصيص أمل في تحققها.
في الوقت نفسه ، ستبقى حماس حركة مقاومة وطنية تحررية شريفة في نظر كل مناضل ومقاوم ومواطن حر .. وستظل شرعيتها مكتسبة من تاريخها النضالي المشرف ، وحاضرها المهني المحترم .. تلك الشرعية المكتسبة من الشعب الفلسطيني وحده ، لا من رضا إسرائيل ، أو اعتراف الجامعة ، أو قبول النظم غير الوطنية.
ويا سيادة الأمين العام نحن نحب إسماعيل هنية ، ونحترمك أيضا ، لكن إن كنت تريد الحفاظ على الشرعية حقا فبالتأكيد هي ليست مع الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته ، الذي قابلته في شرم الشيخ بعدها بيوم ، والذي صرح قبل لقائك لزعماء الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة بأنه لن ينفي ما اعتبره "حق الشعب اليهودي على أرض فلسطين".
إن مصداقية موسى على المحك ، وهو لم يستبعد إمكان عقد لقاء لمندوبي الجامعة العربية الدائمين في غزة ، وعليه أن يصدق كما أنه وعد بالأموال للإعمار، والسؤال : ما العيب في أن تذهب إلى حماس ، سيقولون إنها ستصل لإيران ، وهذا سخف لا يستحق الرد عليه ، أو سيقولون إنها ستذهب لشراء السلاح ، وماذا يضيركم في هذا ، وهذا السلاح موجه للاحتلال الإسرائيلي ، ويدعم المقاومة الفلسطينية ، التي تمثل رافدا مهما للأمن القومي المصري والعربي؟
أخيرا : أربأ بك يا سيادة الأمين العام أن تتعاون مع من يريدون سرقة إنجاز المقاومة الذي تكلل بدماء مناضلي أسطول الحرية الأتراك ، وهم أيضا مقاومة .. واعلم أن رفع الحصار -إن تحقق- فسيكون هو إنجاز الشعب الفلسطيني في المقام الأول ، ليؤكد صواب نظرته في التصويت لحماس ، وخيار المقاومة ، علما بأنه لا بديل عن المقاومة والصمود ، الذي تجسده حماس، في ظل ما قلته أنت في غزة من أنه لا ينبغي الاستمرار في طريق السلام بدون نهاية .