متابعة:عبدالرحمن سعد
حملة علاقات عامة يتولي كبرها المسئولون الإسرائيليون في غضون الأيام القليلة المقبلة من أجل إقناع الرأي العام العالمي, والغربي ـ بصفة خاصة ـ بسلامة مقصدهم من عدوانهم علي أهل غزة, مستهدفين إطفاء نور الحقيقة بأفواههم, عبر استخدام أدوات الإعلام البديل علي شبكة المعلومات الدولية( الإنترنت).
لكن ثلة مؤمنة من أبناء الوطن قررت فضح أكاذيب الدعاية الإسرائيلية, والتصدي لحملة حجب الحقائق القادمة.. حيث يشتد حاليا وطيس معركة تجري خلف الشاشات, بأنامل الأصابع علي لوحات الكي بورد, في مواجهة إلكترونية يتصدي لها شباب مصريون من الجنسين, بإمكانات محدودة, ولكن: بعقل ذكي, وإحساس ذكي, في تلك الحرب الخفية.
ونكاية في المحتل الغاصب, لم يجد المقاومون الإلكترونيون المصريون, أبلغ من تشبيه العدوان علي غزة بالهولوكوست الذي تعرض له اليهود علي يد النازي, فأقاموا متحف هولوكوست غزة في فضاء الإنترنت, وأطلقوا منتديات تحمل اسم: غزة توك, ونظموا عشرات الحملات علي الموقع الاجتماعي الأكبر في العالم( الفيس بوك), ودشنوا العديد من الفاعليات, محاولين تقديم الحقيقة مجردة للبشر في كل مكان, من واقع ما حدث في غزة من انتهاكات.
من جانبهم, رحب علماء الاتصال وخبراء الإعلام, المصريون والعرب, بجهود الشباب المصري, داعين الي تجميعها في أطر مؤسسية واحدة, ومشددين علي أن حملة التصدي للإفك الإسرائيلي, يحسمها الإيمان بعدالة القضية, والاستعداد الكبير للتضحية, عبر فضاءات النت الواسعة, بإعتبار أن غزة وفلسطين مقياس العدل في العالم كله.
التغيير في حياة البشر عبر زيارة متحف الهولوكوست اليهودي بالولايات المتحدة, هذا هو قصة فيلم شاهدته الشابة المصرية داليا يوسف, تواكب معه تصريح صدر عن نائب وزير الدفاع( الحرب) الإسرائيلي ماتان فيلناي في فبراير الماضي يتوعد فيه الفلسطينيين بـ محرقة أكبر في قطاع غزة, ما لم تتوقف صواريخ المقاومة عن استهداف المستوطنات الإسرائيلية.
تقول: من هنا جاءت الفكرة: لماذا لا يتم بناء متحف افتراضي يحمل اسم هولوكوست فلسطين, ليوثق الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني؟
وبالتعاون مع زملائها, ظهر موقعPalestinianholocaustmuseum.com الي النور, وهو متحف افتراضي يشبه في تصميم مبناه الشكل الخارجي لمبني هولوكوست إسرائيل الموجود بالولايات المتحدة, الذي يوثق بالصور المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية.
من رحم هذا الموقع, ومع بدء العدوان الاسرائيلي علي غزة يوم27 ديسمبر الماضي, خرج موقع هولوكوست غزةGazaholocaustmuseum), الذي يسعي الي توثيق المعلومات عن الضحايا من حيث مكان وزمان وظروف استشهادهم, واللحظات الأخيرة لهم, مع صور ولقطات مجسدة لهم ولذويهم ولممتلكاتهم التي دمرتها المحرقة.
ومن بين الجوانب الأخري التي يوثقها المشروع: القتلة( مجرمو الحرب) من قادة العدوان الإسرائيلي أو من نفذوه أو ساعدوا علي تنفيذه, وأيضا توثيق أدوات القتل أو السلاح الذي استخدمه الجاني
داليا تشدد علي أن توثيق المذابح الإسرائيلية ضرورة لتكريم الشهداء, ومدخلا لأي تحرك قانوني, مشيرة إلي أن إجراءات توثيق الجرائم تتم من خلال جمع المعلومات سواء كانت أسماء أو صورا, ثم المراجعة والتدقيق, والترجمة والتحرير والنشر, ثم التواصل مع زوار الموقع.
أكثر رد فعل أثار داليا علي الموقع هو تعليق من سيدة سويدية تعرب فيه عن استعدادها لتبني طفل فلسطيني, وتنشئته علي دينه الإسلام, بعد أن ساعدت اليهود من قبل إبان محرقة النازي.
الموقع بدأ ككرة ثلج لكنها تكبر يوما بعد يوم,حتي إن طلبة الجامعة الأمريكية في القاهرة باتوا يعتمدون علي المواد التي يوفرها الموقع في بحوثهم ودراساتهم عن القضية.
عندما أتذكر ذلك تضيف أصر علي المطالبة بحقوق هؤلاء الأطفال, وفضح الجريمة التي ارتكبت بحقهم, ومن ثم أتغلب علي مشاعري, وأتجاوز أحزاني, متابعة: لابد من أن نعمل علي المدي الطويل, وأن تتكاتف الأمهات معي.
أما محمد يحيي المشرف علي مشروع الحياة الثانية(Secondlife), فيوضح أن سكند لايف عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد, يعيش فيه آلاف اللاعبين( أو السكان كما يسمون) حياة متخيلة, ويبنون مجتمعات خاصة بهم, عن طريق الأدوات التي تزودهم بها اللعبة, ومعظم محتويات هذا العالم الافتراضي من بناء سكانه, الذين يملكون حقوق الملكية الفكرية للأشياء التي يبنونها.
في الحياة الثانية ـ حسبما يوضح ـ يحمل كل مستخدم شخصية جرافيكية افتراضية تسمي أفاتار, ثم يختار اسما مستعارا, وبعدها يبدأ في زيارة عالم الحياة الافتراضية.
نعم.. دمرت وزملاء لي أكثر من22 موقعا إسرائيليا منذ بدء العدوان علي غزة, من بينها موقعان تم تدميرهما بالكامل, وكلها تسيء للعرب والمسلمين, وتمتليء بالمغالطات.. هكذا يقول أمير عبد العزيز(24 سنة), وهو أصغر مدير تطوير برامج, ومبرمج نظم حماية وأمن معلومات في مصر.
أمير فكر في خدمة قضية غزة, فجهز موقعا علي النت تحت عنوان:
'Nohacking.com', وسوف يطلقه في أوائل شهر فبراير المقبل, ويوفر فيه خدمات مجانية لكل من يطلب مساعدته في حماية إيميله أو موقعه, كما يتحدث فيه عن جميع أنواع الاختراق الالكتروني.
مدونون.. ومقاومون
المدونات أصبحت أيضا ساحة لتوثيق وعرض محرقة غزة.. وعلي سبيل المثال ـ محمد جابر مصمم جرافيك يؤكد أن الأحداث دفعته إلي محاولة جذب انتباه العالم إلي المحنة الفلسطينية من خلال الموقع الاجتماعي الأكبر في العالم( الفيس بوك).
محمد عمره23 سنة, ويعتز بكونه يساريا, وله مدونة يساري مصري.. يضيف: قمت بحملة لتغيير الاسم الأول من أسمائنا إلي غزة, علما بأن هناك مليوني مصري علي الفيس بوك علي الأقل, ومن غيروا أسماءهم إلي غزة, هم خمسة آلاف مواطن, تبدأ أسماؤهم كلها باسم غزة, مع استخدام كلمات بحثية مألوفة للوصول بصوت الفلسطينيين إلي أكبر عدد ممكن من الزوار.
الفيس بوك وغزة توك
أما عمرو مجدي صاحب مدونة طرقعة كيبورد فيقول: منذ صغري وأنا أحب سماع الطرقعة علي الكي بورد, وأنا أكتب, لذلك سميت مدونتي بهذا الاسم, كما زودتها بعداد يبين عدد الشهداء والجرحي في كل وقت.
في الوقت نفسه تواصل عمرو مع زملائه من المدونين علي اليوتيوب والفيس بوك, وقرروا عمل مجموعات جروبات يقومون من خلالها بإرسال رسائل باللغة الانجليزية. يقول: حاولنا أيضا التفكير من خارج الصندوق لذلك أنشأنا غزة توك(gazatalk.com) كموقع للمقاومة الالكترونية, وهو منتدي باللغة الانجليزية, وقد تعاونا علي تزويده بالفيديوهات والصور والأخبار اللازمة عن العدوان الاسرائيلي علي غزة, كما نحاول من خلاله حشد مئات الآلاف لمساندة القضية الفلسطينية.
الحقائق تتكلم
يقول أيمن الصياد الخبير الاعلامي ورئيس تحرير مجلة وجهات نظر الشهرية متابعا: إننا نحتاج الآن إلي انشاء منظمة ذات طابع دولي, بمعني أن تكون فيها أطراف غير عربية, لتقوم بتوثيق المجزرة التي ارتكبها الاسرائيليون في غزة.. لا أقول عملا دعائيا, وإنما توثيقيا فالوقائع تتحدث عن نفسها, وهذا الجهد لابد أن يضم قانونيين وإعلاميين ومعنيين بالشأن العام, وأن يضم أيضا طبيفا واسعا من القوميات والديانات والعرقيات, وألا يكون مسيسا أي لا تقف وراءه قوة سياسية معينة, علي أن يستهدف بالأساس توثيق ما جري ويجري في غزة من جرائم ضد الانسانية, ناهيك عن أن هناك مذابح جرت بفلسطين خلال الستين عاما.
ويكشف عن أن وجهات نظر تعرضت قبل عامين لحالات اختراق ثلاث مرات متتالية, فكانت الشاشة تظهر سوداء, ولا يبدو من الموقع سوي النجمة الاسرائيلية, وعبارة بالانجليزية منافية للآداب العامة.. إنهم بالتأكيد هاكرز إسرائيليون من فعلوا ذلك, فهي حرب تحت الطاولة, كما أنها حرب في اتجاهين, الكلام له.
وهناك موضوع التعليقات ـ يتابع الصياد حديثه ـ لكنك تجد الشباب العربي بعد سبعة تعليقات علي أي موضوع منشور قد خرجوا في التعليق الثامن عن الموضوع الأصلي, لذا فالمطلوب هو التركيز, وعدم الدخول في استقطاب, وعدم الانسياق خلف المهاترات, مع التحلي بالقدرة علي الحوار استنادا إلي الشرعية الانسانية( المستندة إلي إرث المجتمع المدني, ومواثيق حقوق الانسان).
حتي الرسائل الالكترونية ـ يواصل ـ تمثل قوة في هذا المجال, فلو أن سياسيا أمريكيا أصدر تصريحا مناهضا للعرب, فتم إرسال آلاف الإيميلات الغاضبة إليه( عبر بريده الالكتروني), فإنه سيستجيب لا شك, ويتراجع عن انحيازه.. إنها معركة الحقيقة.
والأمر هكذا ـ يؤكد ـ: علينا إنجاز الأعمال التي تمكث في الأرض, واستخدام وسيلة لها صفة البقاء, ولا أجد أفضل من التوثيق عبر الانترنت, اعتمادا علي الحقائق, تمهيدا للمساءلة والمحاسبة, فالحقائق تتكلم.
تحقيقات الأهرام
44605 السنة 133-العدد 2009 يناير 20 23 من محرم 1430 هـ الثلاثاء
http://www.ahram.org.eg/archive/2009/1/20/INVE1.HTM