تحقيق-عبدالرحمن سعد: قصة هذا التحقيق تعود إلي نبأ تناقلته وكالات الأنباء قبل أيام حول وراثة مواطن صعيدي عشرة ملايين دولار عن زوجته الأوروبية, التي تزوجها في الغردقة, وعاش معها قصة حب, كتبت الأقدار نهايتها, بمصرع الأوروبية العجوز في حادث سيارة, نجا فيه زوجها, لتؤول إليه ثروتها, ويتغير مجري حياته, من الفقر إلي الغني, وباستقصاء الأمر تبين أن هناك آلافا من الشباب المصريين, خاصة في المحافظات, وتحديدا الصعيد, يعيشون حلم الزواج من أجنبيات, والظفر بأموالهن, وبالتالي تحقيق الانتقالة السحرية, عبر هذه الغزوة العاطفية, من نار الجنوب إلي بستان الشمال. ولايهم بعد ذلك, مستقبل هذا الزواج, ولامايترتب عليه, من نشأة أجيال: مائعة الهوية, مذبذبة الثقافة, متعددة الانتماء. والأخطر من ذلك: انتشار العنوسة بين فتيات الصعيد. ولاعزاء للشخصية المصرية, التي تتعرض للذوبان الحضاري, بفعل هذا الزواج, إلا في حالات عدة, ومحدودة!
فما حقيقة الأمر؟ وماحجم الظاهرة. وأبعادها, وتأثيراتها علي الوطن والمواطن؟ انطلاقا من رصدها, بمدينة الغردقة؟
مغاوري شاب صعيدي من نجع جمادي, عمره ثمانية وثلاثون عاما, تزوج من أنجلا, وهي سيدة ألمانية سنها ستون سنة... تعرف عليها في الغردقة, ثم دعاها لقضاء يوم بين أهله في قريته, وتحقق لمغاوري ماخطط له, من إيقاعها في حبائله, ولاحقا: الزواج بها.
الآن: مغاوري يركب سيارة لانوس, كما اشتري محلا كبيرا.. والسبب زيجته من هذه الألمانية, وماتلاها من غزوات, غنم فيها الأموال, في مواجهاته الأوروبية!
محمد: شاب( من نجع حمادي أيضا) متزوج من شابة روسية.. عصام متزوج من بولندية علي مشارف الستين.. وهلم جرا من نماذج هذه الزيجات.
حسب عقود الزواج التي تم إثباتها في دعاوي أمام محكمة الغردقة الجزئية, منذ الأول من يناير السالف, وحتي نهاية يونيو الماضي, فقد بلغ عدد حالات زواج المصريين من أجنبيات350 حالة.. حيث لاسبيل لإثبات العلاقة الزوجية إلا بهذه الدعوي. وهذا بخلاف مالم يتم توثيقه بعد, أو تم توثيقة في جهات أخري كسفارة الزوجة, أو سلطات بلادها.
مس ريجيت خولاسجي, سيدة فرنسية من أصل سويسري, يبلغ عمرها55 سنة, تصف زواجها من شاب مصري, يعمل في بازار, وعمره25 سنة, بأنه أمر عادي, وليس فيه جديد.. وتضيف ـ بعربية مكسرة: العالم كله كده!
* لكنك متزوجة من شاب بينك وبينه ثلاثون سنة؟
ـ فيه شباب في مصر كثير.. لكن الفلوس مش كتير, وعشان يتزوج مصرية لازم يشتغل كويس, ويجيب فلوس, لكن أنا اشتغل في فندق, وعندي إقامة, ولاأكلفه شيئا, ونعيش مع بعض في تفاهم.. هوه معاه فلوس بيدفع أو أنا بيدفع.. المهم نتفاهم, ونعمل جود فاميلي هكذا قالت.
لكن محمد نجم( عامل سرفيس في فندق بالغردقة), يؤكد أنه ليس كل زيجة لشاب مصري من أوروبية هي زيجة نفعية, أو لأجل المال فقط, ضاربا مثلا بنفسه, إذ ارتبط بفتاة أوروبية أقل من ثلاثين سنة, بعد قصة حب عميقة بينهما.
ويروي تجربته فيقول إنه قابلها في بار, وإنها تعمل في شركة كمبيوتر في بلادها, وقد بدأ التعارف بحديث دار بينهما حديث, ثم مراسلات متبادلة عبر النت.. ويضيف عندما جاءت إلي الغردقة في المرة الثانية, قضينا وقتا جميلا مابين مطعم, وكوفي شوب, وفسح, ثم تزوجنا, وسنوثق عقد الزواج خلال أيام.
* إذن: لماذا تزوجتها, دونا عن بنات وطنك؟
ـ لأنها مختلفة ـ يجيب مضيفا أن مايربطه بزوجته الأوروبية ارتباط روحي وثقافي ويتابع إنها حرية اختيار.. وقد افتتحنا مشروعا تجاريا لنا هنا في الغردقة
فاتحة خير!
زيجات الشباب المصريين من عجائز أوروبيات تزايدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة, وأصبح هناك من هؤلاء الشباب من ينتقل خصيصا من محافظته إلي الغردقة,أو الأقصر, أو شرم الشيخ, بهدف الفوز بهذا الزواج, مستخدما كل أساليب الخداع الناعم, عبر الكلام المعسول, لكي يقنع الأجنبية ـ وبراءة الأطفال في عينيه ـ بأنه قد أحبها, ولايطيق بعدا عنها, فضلا عن أنه يذوب شوقا كي يراها في مصر.. إن لم تكن موجودة فيها, أو أتتها!
والطريف أن غالبية من يلجأ إلي هذا الزواج ليس من شباب العاصمة, ولا الإسكندرية.. وإنما شباب الصعيد, وتحديدا: نجع حمادي
في الأقصر ـ علي سبيل المثال ـ يلجأ بعض الصعايدة إلي هذا الزواج, مع أنه متزوج أصلا, والزوجة عارفة, لكنه يقنعها بأن زواجة من أجنبية, خاصة إذا كانت عجوزا, هو بمثابة فاتحة خير للأسرة... وبكل روح صعيدية.. تقتنع الزوجة!
من هنا أطلق الصعايدة وصف كويت مصر علي مدينة الغردقة, حيث يتطلع كل منهم إلي العمل بأحد بازاراتها.. يمكن يوقع واحدة.. وإذ لم يتمكن من الزواج منها فقد خاض التجربة بنجاح.. تجربة الحرام طبعا!
وفي الغردقة: تلاحظ علي الفور أن هناك شبابا مصريين, أعمارهم تتراوح بين عشرين وخمس وعشرين سنة, أقمن علاقات بأجنبيات أعمارهن بين الستين والخامسة والستين, وهكذا تسود ثقافة الزواج من كبائر الغرب بين شباب البازارات لأنك, كما يقول أحدهم: تمتلكها من احتياجاتها الخاص للمتعة, بعكس الصغيرة فإنها تكون شايفة نفسها عليك, ويمكن أن تتركك إلي غيرك في أي لحظة
هكذا: ماذا يفكر بعض الشباب الصعيدي, وهو يقف12 ساعة يوميا, في البازار أو المحل, بينما يتعرض لفتنة عشرات السائحات, في اليوم الواحد... مئات المرات!
أما أكثر نسبة للزواج من أجنبيات فهي بالروسيات في الغردقة, والألمانيات والإيطاليات في شرم الشيخ, ثم الأوروبيات, من كل جنسية.. في شرم الشيخ!
ولايمثل الأمريكيون سوي نسبة محدودة للغاية من العالقينفي هذا الزواج.. فالغالبية من الزوجات روسيات وأوروبيات, خاصة من أوروبا الشرقية, إذ تستهدف نسبة غير قليلة منهن, الحصول من وراء هذا الزواج, علي فرص: الإقامة, والعمل, والاستقرار بمصر, وتحديدا بتلك المدن.
صفقات تجارية
في تفسير الظاهرة: يري إسماعيل محمد( أحد المقيمين بمدينة الغردقة) أن هذا الزواج يلجأ إليه الشباب في السن التي تتراوح بين25 و35سنة, وغالبيتهم من العاملين في مجال السياحة, والقريبين منه في المجالات المعاونة, أو الموجودين في المدن السياحية, ودوافعهم إليه تتمثل في البطالة, وتدني مستوي المعيشة, وعدم القدرة المالية علي الزواج من مصريات, وصعوبة السفر إلي الخارج.
وبالنسبة للدافع وراء هذا الزواج ـ يواصل ـ أنه بالنسبة للشباب المصريين يتمثل في كونه مجرد خطوة لتحقيق الثراء السريع, أو حلم السفر والهجرة, أو التنفيس عن الرغبات, أو البطالة, فالبلد مغلق, ودخول أوروبا صعب للغاية.
في حين تتوزع دوافع الزواج من شباب مصريين, بالنسبة للأجنبيات, أشكالا شتي ـ كما يقول ـ فمنهن من تفضل الارتباط برجل شرقي للحصول علي الاستقرار في الحياة الزوجية, في حين ان بعضهن, برغم كبر سنهن, يبحثن عن المتعة.. وهناك اخريات بلجأن الي هذا الزواج بدافع العمل, في حين يقع فريق رابع فريسة لغدر الشباب المصري الراغب في الظفر منهن بالمال.. فضلا عن أن هناك الحالمات بالارتباط بشباب فرعوني, نتيجة انبهارها بحضارته الغابرة, فتتطلع الي الزواج من ابن النيل, و حفيد الفراعنة!
وعقب الزواج ـ يتابع اسماعيل ـ قد تمول الزوجة الأجنبية افتتاح مشروع لها ولزوجها الشاب, كبازار مثلا, أو محل تجاري.. إلخ. وفي أحيان أخري تسافر الي بلدها, وتؤمن لزوجها الجديد مشروعا هناك, أو تدبر له عملا باحدي المؤسسات او الشركات. وفي جميع الأحوال: لا ينبغي اساءة الظن, فكما أن هناك زواج المشروع التجاري.. هناك الزواج منزه الأغراض, الذي يستهدف تحقيق الاستقرار, علي أرض الواقع.
للباحثين عن المتعة!
مامستقبل هذه الزيجات ؟
ـ إنها خطر علي الثقافة, والدين, والمجتمع.. إذ إن الجيل الناتج عن هذه الزيجات يعاني من الفوضي الثقافية فهو أوروبي ـ مصري. وهو مسلم مسيحي!
هكذا يجيب خالد اسماعيل الخبير القانوني والمحامي بالمدن الساحلية, موضحا: كثير من هذه الزيجات ينتهي بالفشل, بل ان زيجة واحدة فقط بين كل خمس زيجات من هذه الشاكلة, هي التي تمني بالنجاح في الغالب.. بينما ينتهي كثير منها بالطلاق, وأسوأ منه. رفض الزوجة الأجنبية ـ إذ كانت صغيرة السن وأنجبت ـ ترك الأبناء للزوج, إذ تتطلع الي الاستحواذ عليهم, لتنشئتهم علي طريقتها, بحسب ثقافتها, وهنا يحدث التصادم, وقد تلجأ الي سفارة الدولة التابعة لها, لكي تساعدها علي الهرب بالأبناء ولأن هناك أمثلة كثيرة علي ذلك, لذا ينبغي ـ يتابع ـ دراسة انشاء دائرة مصرية خاصة, علي مستوي وزارة العدل, أو نقابة المحامين, لحل هذه المشكلات, رضاء أو قضاء وحتي اذا نجح الزواج, وانتقل الزوجان للاقامة في الخارج, فإن الأبناء ينشأون في الخارج, فاقدين هويتهم.. مذبذبين بين ذلك.. لا إلي هؤلاء, ولا الي هؤلاء, بحسب التعبير القرآني!
وهذا الزواج, وإن كان مكتمل الأركان, من الناحيتين القانونية والشرعية, اذ تتوافر فيه جميع عناصر العقد من: الايجاب, والقبول, والشهود, والاشهار, إلا أنه ـ كما يؤكد الخبير القانوني ـ يؤثر سلبا علي التماسك الاجتماعي, حيث ان الضمير والوازع الديني معدومان, في زيجات الـ نايت كلاب هذه, مما يتطلب تقنينها, ودراستها جيدا, والمشكلة الأكبر, كما يقول, هي أن بعض مكاتب السياحة, في عدد من الدول الاوروبية, يضع ضمن برامج الدعاية لزيارة مصر, هذه المسألة, باعتبارها من أثر المصريين المعاصرين, بالنص علي أنه يوجد شباب مصريون.. لتوفير المتعة!
تحقيقات الأهرام/ العدد : 44185 / السنة 132/ الثلاثاء 27 نوفمبر 2007 - 17من ذى القعدة 1428هـ
رابط التحقيق : http://www.ahram.org.eg/Archive/2007/11/27/INVE3.HTM.