بقلم-عبدالرحمن سعد: "الرياضة أخلاق". مقولة أستذكرها مع أُفُول شمس كأس العالم لعام 2010 ، لتبقى من ذكراه الجميلة ، ليس فقط اللمحات المهارية ، ولا الأهداف الصعبة ، وإنما أيضا المواقف الأخلاقية ، التي تجلت -سلبا أو إيجابا- في سلوك اللاعبين أو المدربين ، داخل المستطيل الأخضر.
وبما أن أطراف النزال في الميدان كانت 32 منتخبا تُعتبر -نظريا- أفضل منتخبات العالم ، لذا أرى ضرورة أن يتماهي المستوى المهاري مع المستوى الأخلاقي ، بمعنى أنه بجانب المستوى الحرفي العالي ، كان من المفترض نظريا أن نرى مستوى آخر عاليا من القيم الأخلاقية ، التي تهز الوجدان ، وتحرك المشاعر ، وتذكر المرء بأن الفوزالحقيقي هو الفوز الشريف ، الذي يتحقق باللعب النظيف ، والوسائل الشريفة ، حتى يصح أن يقال إنها :"أخلاق كأس العالم".
وبرغم وجود مواقف أخلاقية جيدة في العديد من المباريات إلا أن المونديال شهد هذا العام -للأسف الشديد- مشاهد لا تمت للأخلاق بصلة ، سواء بين اللاعبين : بعضهم وبعض، أو بين المدربين : بعضهم وبعض أيضا. وهذه بعضها:
الحكم الفرنسي ستيفان لانوي في لقطة تلفزيونية من مباراة البرازيل وكوت ديفوار تظهره يتبادل حوارا ضاحكا مع المهاجم البرازيلي لويس فابيانو عقب تسجيله الهدف الثاني لمنتخب بلاده في الدقيقة الـ52 من المباراة بعدما لمس الكرة بيده مرتين قبل أن يسجل الهدف الذي احتسبه الحكم الفرنسي.
اللقطة أظهرت هذا الحكم ، وهو يشير ضاحكا لفابيانو بأنه يعرف أنه عدل الكرة بيده! لذا تساءلت الصحف الفرنسية بغضب : هل كان لانوي يسأل فابيانو عما إذا كان لمس الكرة بيده آم لا ؟! وهل من حقه أن يسأله بعد أن احتسب الهدف بالفعل؟! وهل يستحق الموقف أن يتبادل حوارا ضاحكا مع المهاجم البرازيلي في إيحاءٍ لمن لم يسمع حوارهما بأن لانوي فوّت الخطأ البرازيلي متعمدا (علما بأن اللاعب اعترف لاحقا بأنه لمس الكرة بيده) ؟
لقد كان المشهد مشينا بحق الحكم، وبحق اللاعب البرازيلي أيضا ، وعموما : دفعت البرازيل الثمن غاليا من سمعتها الأخلاقية والمهنية في هذا المونديال بخروجها المبكر على يد هولندا التي حرمتها الوصول إلى المربع الذهبي.
المشهد الثاني لريمون دومينيك مدرب منتخب فرنسا عندما رفض مصافحة نظيره البرازيلي كارلوس ألبرتو باريرا مدرب جنوب أفريقيا بعد المباراة التي جمعت الفريقين يوم 22 يونيو 2010 ، وانتهت بفوز الأخير2-1 في نهائيات الكأس، وخروج الفريقين معا من الدور الأول
باريرا توجه لمصافحة دومينيك لدى إطلاق الحكم صفارة النهاية ، لكن الأخير رفض المصافحة بشدة ، وترك يد باريرا معلقة في الهواء. وفي المؤتمر الصحفي عقب المباراة رفض دومينيك التعليق على الحادثة ، في حين كشف باريرا أن دومينيك قال له إنه لا يريد مصافحته لأنه وجه انتقادات للمنتخب الفرنسي !!
المشهد الثالث للنجم البرتغالي كرستيانو رونالدو الذي ودع المونديال بطريقة غير جيدة عندما بصق على إحدى الكاميرات التى تابعت خروجه من ملعب المباراة التى جمعت البرتغال واسبانيا في دور الـ16 ، وخسرها منتخب بلاده بهدف نظيف ، وذلك بعد فشله فى إقناع المصور بالكف عن ملاحقته.
وبغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر عما إذا كان رونالدو تعمد البصقة أم أنها كانت عفوية فإن الأمر غير مشرف للاعب بحجم رونالدو.
المشاهد غير الأخلاقية كثيرة في المونديال ، لكن يُحسب للاعبين -في الوقت نفسه- التزامهم بعدم تعاطي أي منشطات ، وامتثالهم لقرارات الحكام ، أيا كانت ، إلا فيما ندر.
وفي المقابل فإن الصورة ليست قاتمة تماما ، فهناك مواقف أخلاقية تستحق الإشادة ، وأن تظل منطبعة في الذهن ، ومن ذلك هذا المشهد من مباراة الختام بين اسبانيا وهولندا: لاعب خط الوسط الإسباني أندريس إنييستا يحرز هدف الفوز بمرمى هولندا في الدقيقة 116 من المباراة . بعد إحرازه الهدف مباشرة يكشف عن فانلة بيضاء مكتوب عليها : "داني خوركي دائما معنا" ، في إشارةٍ إلى زميله الراحل داني خوركي مدافع إشبيليه الذي لقي مصرعه على إثر أزمة قلبية فاجأته قبل مباراة في إيطاليا عام 2009.
خوركي وإنييستا لم يجمعهما نادٍ واحد، إلا أنهما لعبا سويا في منتخبات الناشئين الإسبانية ، وبرغم ذلك قرر إنييستا أن يكشف عن رسالة التأبين تلك لصديقه ، وإن نال عنها بطاقة صفراء ، لكنها في الحقيقة رسالة وفاء.
وهكذا : ما بين التحلي بالأخلاق الحسنة ، أو الرديئة ، يتبقى إدراك أن الانتصارات والهزائم تذهب وتجيء في عالم كرة القدم ، وأن ما يتبقى فعلا هو : الأخلاق ، الأمر الذي يحتاج إلى مدونة سلوك للمشاركين مستقبلا في مباريات كأس العالم ، حتى لا تصفع وجوهنا تلك المواقف المخجلة ، وفي الوقت نفسه يمكن تخصيص جائزة لأحسن أخلاق في الملعب
.