1027096   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
تحقيقات
الموت العادي‏..‏ علي كورنيش المعادي
22/07/2010
 

تحقيق‏-عبد الرحمن سعد: بؤرة موت تكمن في أشهر طريق بمصر ‏( الكورنيش‏)‏ مدخل ضاحية المعادي الشهيرة بالقاهرة‏,‏ أزهقت خلال العام الماضي أكثر من سبع عشرة روحا‏,‏ وخلال‏6‏ سنوات أكثر من‏54‏ روحا اخري‏,‏ فضلا عن عشرات الجرحي‏,‏ حسب أرقام مكتب الصحة القريب‏,‏ برغم أن الحل بسيط للغاية‏,‏ وتكلفته محدودة‏,‏ وهو اقامة كوبري‏,‏ أو نفق ارضي‏,‏ لعبور مالايقل عن عشرة آلاف مواطن‏,‏ يضطرون يوميا الي قطع الطريق بكلا اتجاهيه‏,‏ للحاق بأعمالهم أو مدارسهم‏,‏ في مخاطرة غير مأمونة العواقب‏,‏ جعلت نزيف الدماء لايعرف نهاية في هذا المكان‏!‏

لايكاد يمر يوم إلا ويبلع الطريق هنا مزيدا من الأرواح البريئة‏..‏ المكان المقصود هو المنطقة التي تقع امام مطلع كوبري مستشفي النيل بدراوي من جهة الجنوب‏..‏ حيث تطل أبراج القانونيين والياسمين والمهندسين وغادة المعادي وأكاديمية طيبة‏..‏ في مواجهة شرطة المسطحات المائية‏,‏ والمشاتل والمطاعم والبواخر السياحية علي الضفة الأخري من النيل‏,‏ وترقد جزيرة دار السلام التي يبلغ عدد أفرادها مائة وعشرين الف نسمة بينما تواجهها في الوجهة المقابلة جزيرة بين البحرين حيث يقطنها عشرة آلاف نسمة‏.‏ اكثر من الف طفل يوميا يترددون مابين شطري طريق الكورنيش في هذه البقعة المميتة‏,‏ نظرا لعدم وجود أي مدارس في جزيرة بين البحرين علي الأقل مما يضطر ابناءها الي الذهابل مدارسهم يوميا في جزيرة دار السلام جيئة وذهابا كل يوم‏.‏

وهناك ايضا مالايقل عن عشرة آلاف مواطن من سكان المنطقة يضطرون يوميا الي عبور الطريق‏,‏ من أجل التوجه الي مقار عملهم في كل من‏:‏ حلوان والمعادي ومصر القديمة‏..‏ الخ‏.‏

منذ اكثر من عشر سنوات والأهالي يطالبون المسئولين بإنشاء كوبري علوي أو نفق أرضي في هذه المنطقة من أجل وقف نزيف الدماء لكنهم لم يحصدوا سوي الوعود من محافظة القاهرة ورئاسة الحي وأعضاء مجلسي الشعب والشوري‏!‏

وعندما ازدادت الحوادث التي تلتهم أبناءهم‏,‏ شكل الأهالي وفدا من جانبهم في عام‏2004‏ م للضغط علي رئاسة الحي التي استجابت هذه المرة‏..‏ ولكن بإقامة عين القطة وهي علامات حديدية تم غرسها في الطريق من أجل كبح جماح السيارات المسرعة‏,‏ لكن ذلك جاء بنتيجة عكسية‏,‏ إذ يعمد سائقو السيارات إلي المرور عليها بشكل أسرع‏,‏ لأن المرور البطيء عليها معناه تمزيق اطارات سياراتهم‏!‏

مصريون ومتعددو الجنسيات
حادث سيارة أدي إلي نزيف داخلي‏,‏ وكسر بالحوض وتهتك بأعضاء البطن‏..‏ هذا ما ذكره بلاغ وفاة باربرة زاتورسكا‏,‏ وهي سيدة بولندية الجنسية تبلغ من العمر‏45‏ عاما‏,‏ اضطرت الي عبور الطريق في فبراير عام‏2001,‏ تلبية لدعوة لحضور مناسبة بإحدي البواخر الموجودة علي ضفاف النيل بالمنطقة‏..‏ لقد كان مصيرها البائس ما جاء في البلاغ المذكور‏,‏ حيث لفظت آخر أنفاسها في مصر المحروسة وعادت الي أهلها في بولندا‏,‏ جثة هامدة في صندوق‏,‏ ومعها بقية الوفد البولندي‏,‏ ليرووا لذويهم عشوائية طريق الكورنيش في بلد حضارة السبعة آلاف عام‏!‏

ديانا بلانشارد شابة أمريكية رائعة الجمال‏,‏ كانت تقيم مع أبويها في الفيلا رقم‏13‏ بشارع‏18‏ بالمعادي‏..‏ شاءت الأقدار أن تأتي إلي بؤرة الموت هذه‏,‏ وأن تضطر الي عبور الطريق‏,‏ وبالفعل تمكنت من عبور نصفه‏,‏ ولدي عبورها النصف الآخر‏,‏ صدمها أتوبيس مسرع يوم الخميس الموافق التاسع من اكتوبر عام‏2003,,‏ وفاضت روحها البريئة علي الأسفلت‏,‏ ووضعت في ثلاجة المستشفي المجاور‏,‏ لترخص النيابة بدفنها صبيحة اليوم التالي‏,‏ ويتجرع والدها الأمريكي وأمها السورية مرارة فقد ابنتهما الفاتنة‏.‏

هذا عن ضحايا الطريق من متعددي الجنسيات‏..‏ فماذا عن المواطنين ؟

محمد فتحي شاب يبلغ من العمر‏19‏ سنة‏,‏ من سكان جزيرة السلام‏,‏ وهو وحيد والديه فقد حياته في بؤرة الموت الموصوفة في الثالثة عصر الجمعة الثاني من يناير عام‏2004,‏ في حادث مروع‏..‏ فقد تلقفته اكثر من سيارة من السيارات الطائرة علي الطريق‏,‏ فتناثرت أشلاؤه ذهابا وإيابا‏,‏ وسط ذهول المواطنين الواقفين علي الرصيفين المتقابلين‏.‏

الحادث أثار غضب أهالي المنطقة الذين تجمعوا بالآلاف‏,‏ وقطعوا طريق الكورنيش‏,‏ وقاموا بإلقاء الحجارة علي السيارات‏,‏ وهرعت قوات الأمن للسيطرة علي الموقف‏,,‏ وفض التجمهر‏,‏ فألقي القبض علي بعض الشباب الثائرين‏,‏ ثم تم تشييع جنازة ابن المنطقة في حراسة أمنية مشددة‏,‏ وتدخل اعضاء المجالس المحلية ومجلسي الشعب والشوري لمحاولة تهدئة المواطنين‏,‏ ووعدوا الأهالي بإقامة كوبري الأحلام لعبورهم شبيه بكوبري محطة صقر قريش علي طريق الأوتوستراد‏,‏ أو اقامة نفق شبيه بنفقي المعادي ودار السلام تحت مترو الأنفاق‏.‏ لكن بمجرد فض التجمهر‏,‏ وبرودة الحادث‏,‏ جاءت استجابة المسئولين لا بإقامة الكوبري ولا النفق‏,‏ وإنما بدق قطع حديد علي الطريق عين القطة ومن ثم تزايدت الحوادث‏!‏

مرض حليم لبيب بسادة وأدخل مستشفي السلام الدولي للعلاج‏..‏ وفي يوم‏9‏ فبراير عام‏2002‏ ذهب أخوه فهيم‏(77‏ سنة‏)‏ لزيارته في المستشفي‏,‏ ومعه اسرته‏,‏ ولدي عبورهم الطريق‏,‏ هرسته سيارة من بين افراد أسرته تحت عجلاتها‏,‏ وبدل أن يدخل المستشفي زائرا دخل اليه جثة هامدة‏,‏ وبدل أن يبيت ليلته في بيته باتها في ثلاجة المستشفي‏.‏

علم حليم بما جري لأخيه فهيم فأصيب بأزمة نفسية‏,‏ انتهت بموته كمدا علي أخيه بعد عشرة ايام فقط من بلوغه النبأ‏..‏ وللعلم فإن فهيم وحليم هما عم ووالد المستشار لبيب حليم بسادة‏.‏

هذه عينة من ملف حزين ملئ بعشرات من أمثال هذه القصص الدامعة‏,‏ لضحايا عبور الطريق علي مدار السنين‏..‏ أطفال وشيوخ‏..‏ نساء ورجال‏..‏ مصريين وأجانب‏..‏ مسلمين ومسيحيين‏..‏ ناهيك عن عشرات المصابين الذين نجوا من الموت‏,‏ لكنهم تحولوا إلي أصحاب عاهات وذوي إعاقات وفقدوا القدرة علي العمل والارتزاق‏,‏ وباتوا يعيشون مع آلامهم وأحزانهم‏.‏

أرقام‏..‏ ومصابون
في خلال السنوات الست الأخيرة لقي أكثر من‏54‏ مواطنا حتفه في بؤرة الطريق هذه‏,‏ فيما بلغ عدد القتلي‏17‏ حالة خلال الفترة من أبريل عام‏2006‏ حتي نهاية مارس عام‏2007..‏ هذا ما سجله‏.‏ مكتب صحة واحد هو القريب من الموقع‏,‏ ألا وهو مكتب صحة الجزيرة‏,‏ وهناك عشرات القصص لحالات أخري تم نقلها إلي مستشفيات بعيدة كالقصر العيني‏,‏ أو إلي مشرحة زينهم‏,‏ فضلا عن المصابين الذين ماتوا بعد نقلهم إلي أماكن إقامتهم البعيدة‏,‏ والله تعالي وحده أعلم بعددهم‏,‏ وأوضاعهم المعيشية‏.‏

فورة جماهيرية
بعد أن فقد أهالي المنطقة الطفل البريء والابنة العروس والشيخ المسن والأم والأب‏...‏ إلخ فإنهم مصرون هذه المرة علي المطالبة بحقوقهم في حياة آمنة ببلادهم‏,‏ ومن هنا تشهد المنطقة حاليا فورة جماهيرية‏,‏ من أجل إقامة النفق أو الكوبري‏,‏ وقد شرعوا في حملة لجمع التوقيعات‏,‏ بلغ عدد الموقعين عليها حتي كتابة هذه السطور أكثر من مائتين‏,‏ ويستهدفون الوصول بالرقم إلي ألف توقيع‏,‏ تمهيدا لرفع مطلبهم مدموغا بتوقيعاتهم إلي المسئولين للنزول علي رغبتهم‏,‏ وقفا لنزيف الأرواح‏.‏

يعلق الدكتور صابر إبراهيم محمد‏(51‏ سنة‏)‏ من أهالي المنطقة‏,‏ ويعمل استشاري أطفال بالقول‏:‏ إننا نعيش مأساة حقيقية‏..‏ فالعشرات يفقدون أرواحهم سنويا أمام ناظرينا‏,‏ في أثناء عبور بؤرة الموت ومن واقع خبرته عندما كان يعمل مفتشا للصحة بجزيرة دار السلام سنوات طويلة‏,‏ يقول‏:‏ لقد عاصرت العديد من هذه الحوادث‏,‏ وقمت بالترخيص بدفن العديد من تلك الحالات‏,‏ وكان قلبي ينفطر مع كل حالة ويشير إلي أن لديه ثلاثة من الأبناء يعبرون هذا الطريق يوميا للذهاب إلي مدارسهم‏,‏ وكل يوم يمثل بالنسبة إليه يوم رعب‏,‏ لأنه يخشي أن يذهب أحد أبنائه ضحية حادثة‏..‏ يقول‏:‏ هذا ليس إحساسي فقط‏,‏ بل إحساس عشرات الألوف ممن يعيشون في هذه المنطقة

ويشدد الدكتور صابر علي المسئولين سرعة إنشاء النفق أو الكوبري‏,‏ حفاظا علي الأرواح‏,‏ من قبيل‏:‏ إحياء الناس جميعا‏,‏ بالمفهوم القرآني الكريم‏.‏

عبد المنعم أحمد السيد‏(‏ رئيس قسم بإحدي المؤسسات الصحفية القومية سابقا‏),‏ يشارك الدكتور صابر أحاسيسه‏,‏ ويقول‏:‏ الواقع أنني وزوجتي وابني وابنتي لا يفارقنا شعور يومي بالانقباض‏,‏ خوفا علي أرواحنا من عبور هذا الطريق الدامي‏..‏ أنا شخصيا أمكث نحو ساعة لكي أعبره‏..‏ وفي كل مرة أنطق بالشهادتين‏,‏ وأدعو الله ألا تنشق الأرض فجأة عن سيارة تلتهمني‏,‏ لا سيما لدي العبور ليلا‏,‏ حيث الإضاءة ضعيفة علي الطريق‏,‏ وأنا من أصحاب النظارات الطبية‏.‏

في المقابل ـ يتابع عبد المنعم‏:‏ ـ أشعر مع نجاحي في عبور الطريق كل مرة بأنني كتب لي ميلاد جديد‏.‏

تتساءل سوزان المسيري‏(‏ مدير عام التعليم الأساسي بوزارة التعليم سابقا‏)‏ هل ندعو علي كل مسئول بأن يفقد أحد أبنائه بالطريقة ذاتها كي يتحرك لينقذنا من هذا الخطر؟

أمينة إبراهيم الدسوقي‏(‏ موظفة‏)‏ تعرضت لثلاثة مشاهد‏,‏ لدي عبورها الطريق‏,‏ ترويها كالتالي‏:‏ في إجازة نصف العام الدراسي الماضي‏,‏ أخذت أبنائي الثلاثة‏,‏ لزيارة عمهم في حلوان‏,‏ وكان لزاما علينا عبور الطريق لركوب سيارات الميكروباص المتجهة إلي حلوان‏..‏ وأثناء العبور‏:‏ أفلتت أية من يدي‏,‏ وتقدمت خطوات‏,‏ فهرولت خلفها لأمسكها‏,‏وجري ابني الأكبر نحوها‏,‏ وفي هذه اللحظة‏,‏ صدمتنا نحن الثلاثة سيارة‏,‏ ففقدنا الوعي‏,‏ ونقلونا إلي المستشفي القريب‏,‏ حيث أجريت الإسعافات الأولية لنا‏,‏ ثم نقلونا إلي قصر العيني لاستكمال رحلة العلاج‏,‏ التي تركت علي أجسادنا آثارا لم تنمح‏,‏ بينما أصيب أطفالي بخوف شديد من عبور أي طريق‏.‏

أخيرا هل يتحقق حلم سكان المنطقة بصدور قرار فوري‏,‏ بإنشاء الكوبري أو النفق‏,‏ باعتبار ذلك حاجة شعبية قومية‏,‏ مع إقامة حاجز حديدي يمنع من يريد عبور الطريق مع ذلك‏,‏ أم يستمر مسلسل الموت‏,‏ ونزيف الدماء؟

تحقيقات الأهرام /15 أبريل2007‏. 
 

تعليقات القراء
Karah
Too many conmmipelts too little space, thanks!
    
Victor
In the cotcpilamed world we live in, it's good to find simple solutions. http://ayfqacta.com [url=http://yqhvzow.com]yqhvzow[/url] [link=http://qqlejt.com]qqlejt[/link]
    
Samiha
This "free sharing" of inmaofotirn seems too good to be true. Like communism. http://hyjjonedc.com [url=http://esrpmbtcexz.com]esrpmbtcexz[/url] [link=http://hqofuc.com]hqofuc[/link]
    
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد