كتب-عبدالرحمن سعد: هل كان اختفاء زوجة الكاهن المصري لأسباب عائلية ، أم لأسباب تتعلق بحقها في ممارسة حريتها الشخصية سواء في الحياة أو الاعتقاد ؟!
" اختفاء السيدة كامليا كان لأسباب عائلية ، ولا يحمل شبهة طائفية ، ولا جنائية ، ولا علاقة لأحد أيا كانت ديانته بهذه الواقعة ".
بهذا صرح الأنبا أرميا - الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة فى برنامج "نبض الكنيسة" بقناة أغابى الناطقة الرسمية باسم الكنيسة المصرية ، تعليقا على خبر العثور على الزوجة المختفية ، بعد أن تبين -بحسب موقع "اليوم السابع"- أنها كانت لدى أحد أفراد عائلتها ، وأنها تركت منزلها بمحض إرادتها لأسباب شخصية.
هذه الرواية بعينها التي تبناها رجل الأعمال القبطى وعضو مجلس الشورى عيد لبيب ، منذ بداية الأحداث ، عندما اجتمع بالأقباط المُعتصمين في المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية ، وألمح إلى أن غياب زوجة الكاهن جاء بمحض إرادتها بسبب خلافات أسرية.
وهي كذلك الرواية الرسمية التي تبنتها الدولة عبر إعلامها الرسمي ، كما جاء في جريدة الأخبار ، من أن كاميليا قررت أنها لم تكن مخطوفة ، وأنها كانت مختفية بمحض ارادتها ، وكانت تقيم لدي إحدي صديقاتها بالقاهرة ، وأن اختفاءها كان لأسباب عائلية ، ولا يحمل أي شبهة طائفية.
الرواية أكدها أيضا عبدالله كمال رئيس تحرير جريدة روزا اليوسف عندما قال إن "قصة كاميليا، التي قيل إنها اختطفت، وثار البعض طلبا لعودتها ، كما لو أنها كانت رهينة لدي المعسكر الآخر، لم تكن أكثر من مسألة عاطفية ، ولم يكن ينبغي أبداً أن تتحول إلي مشكلة طائفية ".
الأسباب العائلية إذن هي سر الغياب ، وبالتالي تسقط الروايات التي روجت لأسباب أخرى تحاول تفسير : لماذا اختفت كاميليا؟
لكن رواية أخرى مغايرة تماما لتلك الرواية ، تكشف عنها تصريحات الأنبا أغابيوس أسقف دير مواس ، لقناة الكرمة القبطية ، إذ قال بالحرف: " كان فيه لعب في دماغها من أحد تاني..علشان كده إحنا خليناها في القاهرة ، في مكان غير معلوم ، علشان ما حدش يضايقها ، وعلشان تُرعى نفسيا وروحيا وفكريا.. تحت إشراف هيئة كاملة من الكنيسة ، وعلشان يظبطوها..لأن حصل حاجة زي غسيل مخ..فلازم إحنا نعمل غسيل للغسيل" ؟!
تلك إذن رواية جديدة ، صادرة عن الكنيسة نفسها ، صاحبة الرواية الأولى أيضا ، لكن الرواية الجديدة تكشف المصير الذي آلت إليه كاميليا ، خاصة أن أغابيوس شبه في تصريحاته عودة كامليا -بعد اختفائها لمدة خمسة أيام (من الأحد 18 يوليو حتى الجمعة 23 يوليو الحالي) - بعودة "الإبن الضال"!
نحن إذن أمام حالة "وفاء قسطنطين" ثانية ، لمواطنة مصرية خرجت بمحض إرادتها ، ملتمسة طريق الخلاص ، حسبما تؤمن وتريد وتعتقد ، لكن السلطات الرسمية تلجأ لخداع المواطنين ، بترويج رواية كاذبة بشأنها ، من أجل تبرير تسليمها إلي الكنيسة ، استجابة لابتزازها لها ، وخوفا من مواجهتها ، لأن هذه الدولة -باختصار- لا تؤمن بمبدأ المواطنة ، أو عاجزة عن حمايته ، أمام سطوة الكنيسة!
في الوقت نفسه ، تعتبر الكنيسة -عبر أساقفتها ، وقناتها الرسمية- أن هناك "من لعب في دماغ كاميليا"، و"عمل لها غسيل مخ "، وهكذا أصبح من حق الكنيسة أن تتسلمها من الدولة ، وأن تخفيها في مكان غير معلوم ، حتى للدولة نفسها ، من أجل "تظبيطها" ، بحسب تعبيرات أسقف دير مواس !
ولأننا إزاء روايتين.. فالسؤال : كيف تم اللعب المشار إليه في دماغ كاميليا، وما المقصود بهذا التعبير ، طالما أن الأمر لم يكن خلافات عائلية ، ثم ما هو المكان الذي تتواجد فيه كاميليا الآن ، وكيف يتم "تظبيطها" ، وما غسيل المخ الذي تعرضت له ، ومن الذي قام به ، ثم ما هو غسيل الغسيل الذي تقوم به الكنيسة لها حاليا ؟!
الواقع أن أخشى ما أخشاه ، هو أن يكون هذا الغسيل ، للأبد ، من الحياة ، مثلما حدث مع وفاء قسطنطين ، التي لا تقدم الكنيسة حتى الآن أي أدلة ثبوتية تنفي صحة ما يتردد من أنها تعرضت للقتل داخل الكنيسة ، وأنها لم تعد على قيد الحياة ، وإلا فلتظهر خلاف ذلك للجميع.
أما الدولة التي لم تصن حق المواطنة لهذه السيدة ، فيجب أن تحميها مما تتعرض له حاليا ، في ذلك المكان غير المعلوم ، من ممارسات إكراهية بالتأكيد ، وإلا أصبحنا أمام حالة اختطاف حقيقية ، تتعرض لها مواطنة مصرية ، وتتورط فيها الدولة -للأسف- مع الكنيسة ، لصالح الباطل ، وعلى حساب الحقيقة ، والمواطنة ، والدولة والحقوق المدنية والانسانية.