1025474   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
   
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
دراسات وتحليلات
في صناعة الانتخابات
23/10/2010

الضجيج الذي تشهده مصر الآن بمناسبة موسم انتخابات مجلس الشعب يعيد إلى الأذهان الجدل الذي ثار في بريطانيا خلال أشهر الصيف حول جدوى العملية الانتخابية وتطوراتها. لست في وارد المقارنة بين الانتخابات عندنا وعندهم أو حتى وضعها على قدم المساواة في البلدين، حيث أعتبر ذلك من ضروب عدم اللياقة والتسطيح المخل للأسباب التي لا أشك في أنك تعرفها، خصوصا أنني أتحدث عن الحوار الذي جرى هناك، وليس عن الممارسة التي جرت على أرض الواقع.
كان السؤال المحوري الذي جرت من حوله المناقشات في بريطانيا كالتالي: هل مازالت الانتخابات أفضل وسيلة لتمثيل المجتمع، وألا تهددها التطورات الحديثة في إدارة العملية الانتخابية التي تكاد تفقد ذلك التمثيل قيمته؟. مؤيدو الانتخابات قالوا إنها تظل واحدة من أهم منجزات العصور الحديثة في الحكم والسياسة، باعتبار أنها الوسيلة الأفضل لتمكين الناس من حكم أنفسهم بأنفسهم. أضافوا في هذا الصدد أن الاختيار الذي يتم من خلال التصويت الحر أراح شعوب الديمقراطيات المتقدمة وجنبها الاحتكام إلى السلاح في سبيل الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها.
المتشككون حذروا من أن تطورات عصر العولمة جردت الانتخابات من طابعها الإنساني، ذلك أنها في صورتها التقليدية اعتمدت على المبادرات الإنسانية، وعلى مساعي الأفراد والجماعات السياسية والأحزاب المنظمة، لترتيب الاتصالات المباشرة والشخصية بين المرشح والناخب، واختراق الحواجز والعوازل الاجتماعية التي تفصل بين الاثنين. هذه الصورة بصدد التغيير الآن ذلك أن ثقافة وتقنيات العولمة أدت إلى تحويل العملية الانتخابية إلى صناعة قائمة بذاتها، خالية من اللمسات الإنسانية ولا علاقة لها بالمنافسات السياسية. إذ في حين أن المرشحين يقدمون أنفسهم إلى الناخبين في الصورة التقليدية كممثلين عنهم وعن مصالحهم، ويجتهدون في الالتقاء بالناخبين في أماكن تجمعاتهم، فإن ثورة العولمة تكفلت بتحويل تحويل الصوت الانتخابي إلى سلعة، بحيث صار مثل البضائع المعلبة التي يفقد صاحبها الأصلي علاقته بها وتأثيره في مصيرها. تجلى ذلك في دخول الشركات والمؤسسات التجارية ذلك المجال، أما كيف حدث ذلك، فإليك الحكاية.
فقد ظهرت في أوروبا والولايات المتحدة شركات جديدة تخصصت في صناعة الانتخابات بمعنى ترتيب أوضاعها وهندسة الحملات الانتخابية. وتلك الشركات حملت أسماء أصبح لها «دور البارز في مواسم الانتخابات مثل: «ساتشي آند ساتشي» ــ جيوفوتر ــ كامبين كونيكشن ــ كامبين أوفيس دوت كوم وغيرها. وهذه الشركات تعرض خدماتها كالتالي: تقدم للمرشحين بيانات كاملة تتضمن كل ما يهمهم من بيانات إحصائية، وبرامج التمويل وجمع التبرعات، وكيفية تنظيم الحملات الإعلامية في الصحف ووسائل البث المرئي والمسموع. كما تقدم لهم تفاصيل حملات «شيطنة» المنافسين وتشويه صورتهم في أعين الناخبين. وهذه تركز على نقاط ضعفهم وسجلات حياتهم، وغير ذلك من أسلحة الحروب الانتخابية. وفي هذه الحالة لا يرجع نجاح المرشحين إلى نفوذهم السياسي وكفاءة برامجهم، وإنما يصبح ذلك النجاح مرهونا بحجم الأموال التي ينفقونها في تلك الحملات. من ثَمَّ فإن الأوفر حظا في النجاح هو الأقدر على الإنفاق على تلك الحملات.
يرى الناقدون والمتشككون أن الدور المتنامي لتلك الشركات من شأنه أن يحول العملية الانتخابية إلى تجارة، يكسب فيها الأوفر حظا من المال. ليس ذلك فحسب وإنما يثير التطور الحاصل شكوكا قوية حول مستقبل الأحزاب والجماعات السياسية. لأنه يفتح الباب لحلول تلك الشركات محل الأحزاب. لأن التقنية الانتخابية التي توفرها الشركات يمكن أن تتفوق على البرامج السياسية للأحزاب. ومن ثم تغدو تلك التقنية التي تتوفر لمن يدفع مالا أكثر. أقدر على كسب ثقة الناخبين وحصد أصواتهم. وفي هذه الحالة فإن الانتخابات التي يفترض أن تجرى على قاعدة المنافسة في البرامج السياسية، ستتحول إلى تجارة تتنافس فيها شركات تسويق المرشحين.
لا يقلقنا هذا التطور، لأن الانتخابات إذا كانت خاضعة لعوامل السوق وثقافته عندهم، فإنها مؤممة عندنا، حيث تقوم وزارة الداخلية بكل ما يلزم لطبخ العملية الانتخابية، دونما حاجة لا إلى برامج الأحزاب أو دعايات المرشحين أو منافسات شركات تسويقهم.

  فهمي هويدي/صحف/الأربعاء 13-10-2010

تعليقات القراء
  الإسم
البريد الالكترونى
  التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد