قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل إن الدعوات التي تتردد لتولي الرئيس مبارك فترة رئاسية جديدة تتناقض مع طبائع الأشياء وسيكون فوق طاقة البشر، مشيراً إلى أن الرئيس إذا ترشح لفترة رئاسية جديدة سوف ينهيها وعمره 90 عاما، وهو مالا يمكن تصوره، خاصة إذا نظرنا لمعظم قادة العالم من حولنا، حيث أن غالبيتهم الآن من الشباب.
وأضاف: "حتى إذا كان من يحيطون بالرئيس يدفعونه للترشح فعليه أن يدرك عدم إمكانية ذلك وألا ينصاع لنصائحهم"، لافتا إلى أن الاستقرار في مصر استمر أكثر من اللازم، وهناك فهم خاطئ لمعنى الاستقرار؛ فالاستقرار هو وضوح الرؤية للمستقبل، وهو غير حاصل في مصر الآن حيث أن المستقبل غمض، وما يحدث فيها هو الركود وبقاء الأشياء على حالها لعشرات السنين.
وقال هيكل إن شرعية النظام المصري أصبحت محل تساؤل، فشرعية نظام الرئيس عبد الناصر مستمدة من الثورة، وانكسرت بعد نكسة 67، وماتت مع ميلاد شرعية أكتوبر التي استند عليها السادات إلى أن انكسرت مع معاهدة السلام، وماتت باغتيال الرئيس السادات.. أما نظام مبارك فاستمد شرعيته من الخطر الذي أعقب اغتيال الرئيس السادات، والرغبة في حماية الأمن القومي المصري، وكان على الرئيس مبارك أن يحفظ استقرار البلد ولكن هذا الاستقرار طال أكثر من اللازم، وأصبحت شرعية النظام محل تساؤل.
وانتقد هيكل -خلال الحلقة الثالثة والأخيرة من برنامجه "مع هيكل" على قناة الجزيرة الفضائية والتي خصصتها للمشهد السياسي المصري- انتخابات مجلس الشعب التي انتهت مؤخرا،ووصفها بأنها انتخابات تفصيل ولم يكن بها منافسة حقيقة للحزب الوطني، وقال هيكل إن ترشيح الحزب الوطني لأكثر من مرشح على المقعد الواحد هو دليل واضح على ضعف الحزب، مشيراً إلى أن الحزب لم يكن قادراً على إغضاب أي من المرشحين فقرر خوضهم جميعا للمنافسة "عشان ميزعلش حد".
كما نتقد هيكل، غياب حقوق الإنسان في مصر، وذكر ما قالته منظمة "هيومان رايتس وواتش" إن هذا العام قتل الأمن المصري ما يزيد عن 85 إفريقيا خلال محاولتهم التسلل إلى إسرائيل، وهو تصرف بشع من الأمن، حيث كان من الممكن إلقاء القبض عليهم بدلا من قتلهم، أو حتى على الأقل إبلاغ الجانب الإسرائيلي بتسلل هؤلاء الأفارقة لتلقي القبض عليهم، إذا كنا ملتزمين بأمن إسرائيل إلى هذا الحد.
واستنكر هيكل سيطرة الحزب الوطني الحاكم على مقاعد الشعب واصفًا إياه بالأمر الغريب والغير موجود إلا في الدول التي تعمل بنظام الحزب الواحد.
كما انتقد الكاتب الصحفي خلط جماعة الإخوان المسلمين بين الدين والسياسة، وقال إنهم محترمين وأصحاب مبدأ ولكن يعاب عليهم استخدامهم الشعار الديني - الإسلام هو الحل-، متسائلا هذا الشعار لا يصلح للأقباط في مصر والذين يشكلون بين 12 : 15 % من أبناء الشعب المصري.
وطالب هيكل الحكومة بدمج الإسلاميين في الحياة السياسية المصرية ومنح الإخوان فرصة لتكوين حزب سياسي له مرجعية أسلامية كما يحدث في تركيا والأردن دون احتكار للدين، لأن الإسلام ملك للإنسانية كلها.
وحول الدكتور محمد البرادعي قال محمد حسنين هيكل: "رغم اعتراضي الشخصي على خوض البرادعي السياسة وذلك لفراغ الحوض السياسي وبالتالي عدم إمكانية السباحة فيه، إلا أن البرادعي يتعرض لاغتيال من الإعلام الحكومي كل يوم، على الرغم من انه لم يفعل شئ خطأ، فهو لم يفعل أكثر من أنه طرح نفسه على الناس، وكان يجب أن يتم التحاور معه بدلا من الهجوم عليه بهذا الشكل.
وأضاف حتى عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، تم ذبحه عندما ألمح إلى إمكانية ترشحه للرئاسة في حالة عدم ترشح مبارك لانتخابات الرئاسة.
ووصف هيكل حرية الإعلام في مصر بـ "الخادعة" بسبب أنها حرية دون تأثير، وهو ما يسبب إحباطا ويأساً للناس.
وتابع هيكل: يشهد للنظام أنه أتاح هامشا الحرية يصل أحيانا لحد انتقاد الرئيس، وهو مالا يحدث في أغلب الدول العربية.
وعن تغول المؤسسة الأمنية في مصر، قال إن هذا حدث بسبب أن شرعية القرار في مصر أصبحت تعتمد على القدرة على فرض هذا القرار، وأنه تم استبدال أمن الأوطان فب مصر ومعظم الدول العربية بأمن النظم حتى أن عدد قوات الأمن المركزي أصبح أكبر من عدد الجيش.
وعن تراجع دور مصر العربي والإفريقي قال إن هذا حدث بسبب تخلينا عن الدور الذي كنا نقوم به من عدة سنين وأصبحت علاقتنا سيئة بمعظم الدول العربية المحيطة بنا وأصبحنا نبني أسوارا بين السودان وغزة وليبيا، في حين تشهد علاقتنا بإسرائيل تحسنا ملحوظا.
واختتم هيكل حديثه بالإشادة بالجيل الجديد من الشباب النشط على شبكة المعلومات "الإنترنت" وأكد أنه يمكن أن نراهن عليهم في المرحلة القادمة.
وأشار إلى أنه على الرغم من حيرة هذا الشباب، إلا أنهم بنشاطهم وتفاعلهم على المواقع الاجتماعية مثل "فيسبوك" و"تويتر" خلقوا عالما افتراضيا لهم بعيداً عن بحر السياسة الجارف، بما لديهم من حيوية وهمة وعدم رضى عن الحاضر الذي تعيشه مصر، مؤكدا أنهم قادرون على صنع مستقبل أفضل للبلاد.
موقع مصراوي / أحمد الليثي وهاني ضوَّه / 17 ديسمبر 2010