بقلم: عبدالرحمن سعد- أن تكون موضوعيا معناه ألا تتبنى رأيا واحدا، وأن تعرض وجهتي النظر في الموضوع، وأن تنقل الآراء بإنصاف..بعيدا عن آرائك الشخصية، وتدخل مؤسستك الصحفية.
فهل أدت الصحافة المصرية دورها متسلحة بهذه القيمة الأخلاقية، والحيدة المهنية .. لا سيما بعد ثورة 25 يناير؟
لقد ارتكبت صحافة ما قبل الثورة موبقات عدة، منها: الانحياز الأعمى للسلطة أو للأفكار المسبقة أو للأحزاب ورجال الأعمال، أو للأجندات والأيديولوجيات الخاصة.
لكن يبدو أن صحافة ما بعد الثورة -للأسف- تسير بهذا العوار المهني نفسه، بل وتزداد فيها وتيرة هذه الممارسات غير المهنية، في أكبر عملية اغتيال للحقيقة، إذ تذكر أنصاف الحقائق، وتعمد للكتابة الانطباعية، وتروي الأحداث دون تدقيق، وتوثيق.
فمن يقرأ الصحف المصرية التي تصدر يوميا.. لن يعدم العثور في كل عدد، على مواد متحيزة، سواء في انتقاء الوقائع، أو تلوين العناوين، أو التقديم والتأخير في المعالجات، بما يخدم توجها سياسيا أو فكريا معينا، أو الإساءة المتعمدة لتوجه آخر.
ويبدو الأمر جليا في مجالين؛ الأول تغطية محاكمات الرئيس السابق حسني مبارك، وعائلته، ورموز حكمه..والثاني: الموقف من التيارات الإسلامية، وكيف تم استخدامها "فزاعة" لإخافة الشعب منها.
في الحالة الأولى وجدنا -مثلا- قصة "أم ماجد" تتسرب للتغطية الصحفية، يوم 21 أبريل الماضي، وهي سيدة بدوية تمكنت من زيارة الرئيس المصري السابق في محبسه بمستشفى شرم الشيخ، لكن الصياغة الصحفية للقصة جاءت أقرب إلى الدعاية، واستدرار التعاطف مع الرئيس السابق، ما أوجب نفورا وانقباضا لدى القارئ العادي من القصة.
صحيفة ثانية وقعت في مشكلة عويصة عندما نشرت في عددها الصادر الإثنين 16 مايو 2011 خبرا بصفحتها الأولى يقول إنه تم إجراء عملية قسطرة في القلب لقرينة الرئيس السابق، عقب بدء أول جلسة تحقيق معها، وهو ما لم يحدث، إذ نفى الواقعة الأطباء المعالجون، ووزارة الصحة نفسها.
صحف أخرى، تزعم أنها مستقلة وليبرالية، بدا عليها روح الرغبة الشديدة في الإساءة إلى بعض التيارات، فصدر مانشيت إحداها يوم 13 مايو 2011 يقول إن النيابة تواجه 23 سلفياً بتهمة الإرهاب، متجاهلة أن عدد المتهمين 361، وأن بينهم عددا من الأقباط، وأن النيابة وجهت إليهم التهمة نفسها!
الأمثلة أكثر من أن تُحصى على تحيز صحافة ما بعد الثورة، ما جعل الكثيرين ينفضون عنها، بل ويدعون إلى مقاطعتها.
فيا أيتها الصحافة المصرية: شئ من إعمال مواثيق الشرف، والتحلي بالضمير المهني، وتقديم الحقيقة المجردة، وعرض جميع الآراء ووجهات النظر، والبعد عن التحيز في الانتقاء والمعالجة، وإلا فأنت تلحقين أبلغ الضرر بالثورة، وتقوضين تطلع المصريين إلى صحافة جديدة .. تتواكب مع ثورتهم العظيمة، وتعبر عنهم جميعا.
المصدر : الأهرام
التاريخ: الثلاثاء 14 من جمادى الاخرة 1432هــ 17 مايو 2011 السنة 135 العدد 45452
الرابط:
http://www.ahram.org.eg/535/2011/05/17/59/78592/219.aspx