بقلم: عبدالرحمن سعد - قبل آلاف السنين واجهت مصر نُذُر أزمة اقتصادية طاحنة؛ قيض الله لحلها نبيه يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ما يمكن أن نستضئ به في مواجهة المشكلة الاقتصادية التي يتحسب البعض لوقوعها، لا قدر الله، خلال شهور بمصر.
فقد ألح هاجس الأزمة على حاكم مصر في ذلك الزمان، فرأى في منامه، والرؤية الصالحة حق للمسلم والكافر، أن سبع بقرات سمان يقفن على حافة نهر، لكنهن يتعرضن لهجوم سبع بقرات هزيلات فيأكلن السمان.
هذا علاوة على سبع سنبلات خضر، وأُخر يابسات.. ورد ذكرها في الرؤيا.
وبالتالي طلب الحاكم من مجلس حكمه تأويل الرؤيا، فأخفقوا، وقالوا :"أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين"، كما جاء في سورة يوسف.
هونا قال أحدهم :"أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون".
كان ذلك الرجل مع يوسف في السجن، واستبانت له قدراته في تأويل الأحلام لما قص عليه، هو وزميله، رؤياهما.. أنه "يعصر خمرا"، والآخر :"يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه".
ولأنهما رأيا في يوسف أمارات الصلاح، وعلامات الإحسان، فقد طلبا منه أن يفسر لهما حُلمهما.. "نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين"، فأخبرهما بأن أحدهما:"يسقي ربه خمرا" ، وأما الآخر "فيُصلب فتأكل الطير من رأسه".
ثم طلب نبي الله من ذلك الذي ظن أنه ناج منهما أن يذكره عند سيده، من قبيل الأخذ المشروع بالأسباب لدى أنبياء الله، لكن الشيطان أنساه "ذكر ربه"، فلبث يوسف في السجن نحو سبع سنين أخرى.
وعندما طلب الحاكم تأويل رؤياه .. تذكر (صاحب العصير) يوسف، فطلب إرساله إليه في السجن، وهناك قص عليه الرؤيا، واستفتاه فيها، فأنبأه بتأويلها، وقدم الحل لها.
لقد استبصر يوسف عليه السلام أن مصر ستواجه أزمة اقتصادية طاحنة، فأنبأ صاحبه بأن مصر ستمر بسبع سنين من الخصب والنماء والاكتفاء الذاتي في المحاصيل والمزروعات، ثم تواجه بعد ذلك سبع سنين من القحط والجفاف واليبوس، فما هو الحل الذي قدمه؟
قال :"تزرعون سبع سنين دأبا" أي بشكل دائب، "فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون".. أي تأكلون كفايتكم من القمح والمحاصيل، ثم تتركون الباقي في سنابله دون حصاد، حتى لا يتعرض للعفن أو السوس أو الفساد.
وأضاف :"ثم يأتي بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون" . فأخبرهم بأن السنوات السبع التالية يمكن مواجهة قحطها وانقطاع الماء والجفاف فيها بتناول ما تبقي في السنابل، وبشرهم بأنه سيتبقى لهم منها ما يدخرون أيضا.."إلا قليلا مما تحصنون".
وهكذا: خرجت مصر بتفكير النبي يوسف عليه السلام من آتون أزمة اقتصادية بالتفكير البسيط الرشيد ، وحُسن التخطيط، وسلامة الإدارة.. دون أن تتكلف خزينة الدولة أي أعباء، ودون أن يشعر الفقراء بأي متاعب، ودون اعتماد سوى على الموارد الذاتية.
ولم يكتف يوسف عليه السلام بذلك، بل زادهم من علمه، بشارة أخرى جميلة.. لم يطلبوها، ولم تكن في الرؤيا، وذلك بقوله لهم :"ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصِرون". حيث الإغاثة والعصير والنماء والخصب والحصاد الحلو في العام التالي، إذ تتحقق المعادلة الاقتصادية الناجعة، وهي أن :"الإنتاج يكفي الحاجة.. وزيادة".
والخلاصة من النموذج الذي قدمه نبي الله يوسف لحل المشكلة الاقتصادية لمصر هي أنها لم تكن أبدا في قلة الموارد، وبالتالي لم يكن حلها في المعونة الخارجية، وإنما كان يمكن للأزمة أن تقع في حالة سوء إدارة موارد البلاد.. بتلك المرحلة.
الحل لمصر يكمن -إذن- في حسن التخطيط للمستقبل، وفن إدارة الموارد، وتنظيم الأوقات والسنين، وتوظيف العمال والخامات، وتحقيق الاكتفاء في المحاصيل والمزروعات.
ويكمن الحل أيضا في التسلح بشئ من الخيال، والتفكير خارج صندوق "الأنظمة السابقة"، والاستعانة بتجارب أنبياء الله .. بُناة الحضارة والأمجاد.
المصدر: "الأهرام"
تاريخ : 24 مايو 2011
الربط:
http://www.ahram.org.eg/Free-Opinions/News/79830.aspx