بقلم: عبدالرحمن سعد
السحابة أو الغَيمة البركانية التي تكونت من جراء اندفاع رماد بركان "أيا فيا لاي" الذي ثار على الأراضي الايسلندية شمال القارة الأوروبية مؤخرا، وجمد حركة الانتقال والسفر لأيام عدة بين نسبة كبيرة من سكان الكرة الأرضية.. لا يجب أن يمر نبؤها علينا دون التقاط الدروس والعبر الإيمانية، ف"السعيد من وُعظ بغيره"، كما جاء عن ابن مسعود في الأثر.
دخان ما قبل الحشر
أعرف أن نبأ السحابة سيكفي فيه لدى الغربيين دراسة أسبابها، وعواملها، ونتائجها، دون التطرق إلى أي أبعاد روحية أو أخروية أو إيمانية تتعلق بها، وهو ما يجب أن نستلهمه نحن العرب والمسلمين أخذا بالأسباب أيضا، ذلك أإن عدم الأخذ بها تعطيل لشرع الله ، وفي الوقت نفسه أن نتفوق عليهم بالالتفات إلى المعاني الغائبة التالية.
إن السحابة البركانية تذكرنا بأشراط الساعة، وأمارات الآخرة، ومنها دخان ما قبل الحشر.. إذ عدَّ جمع غفير من العلماء أن من علامات الساعة الكبري دخانا يكون في آخر الزمان، قال تعالى:"فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين.. يغشى الناس هذا عذاب أليم". (الدخان: 10-11).
ذهب ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، مستندا إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، ومن وافقه من الصحابة والتابعين، في أحاديث مرفوعة من الصحاح والحسان- إلى أن هناك دلالة ظاهرة على أن الدخان هو من الآيات المنتظرة طبقا لظاهر القرآن، بين يدي الساعة.
فقوله تعالى :"فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" يعني أن هذا الدخان بيِّن واضح يراه كل أحد، (يغشى الناس) أي: يتغشاهم ويعمهم، (هذا عذاب أليم) أي: يُقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا أو يقول ذلك بعضهم لبعض (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) أي: يقول الكافرون ذلك إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه، وكشفه عنهم.
قال عبدالله بن عمر: "يخرج الدخان قيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ (الرأس المشوية على الجمر).
وبهذا المعنى جاء تفسير الدخان عن عدد من أجلاء الصحابة، ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".(1).
وغير بعيد عن ما سبق: ذكر النار التي تحشر الناس، وهي -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيما جاء بصحيح البخاري- :"أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب".(كتاب الفتن، باب خروج النار).
وجاء في ذكر هذه النار أنها كما تخرج من المشرق إلى المغرب؛ فإنها من قعر عدن، وهذا الحشر للناس إلى الشام يكون قبل يوم القيامة، كما قاله القرطبي، ثم بعده يُنفخ في الصور النفخة الأولى.(2).
من آثار الذنوب والمعاصي
السحابة البركانية تذكرنا أيضا بعاقبة المعصية، وشؤم الذنب، ومن ثم: ضرورة الإقلاع عنه، مع تجديد التوبة ، حتى يرفع الله البلاء.
أكد ابن قيم الجوزية -رحمه الله- أن من آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن. قال تعالى في الآية الحادية والأربعين من سورة الروم :"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).(3).
ونقل ابن القيم عن مجاهد قوله :"إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد، فيحبس الله بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد".
وأضاف ابن القيم أن الظاهر -والله أعلم- أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها، فالذنوب سبب الفساد الذي ظهر، أو هي الذنوب نفسها فعلى الأول المراد بالفساد: النقص والشرور والآلآم التي يحدثها الله في الأرض عند معاصي العباد، فكلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة، كما قال بعض السلف :" كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة".
وعلى التفسير الثاني تكون اللام في قوله :"ليذيقهم بعض الذي عملوا" هي لام العاقبة والتعليل.. وإنما أذاقنا تعالى الشيء اليسير من أعمالنا، ولو أذاقنا كل أعمالنا ما ترك عليها من دابة.
الذكر والدعاء
والأمر هكذا، يجب -في مواجهة هذه الظواهر الكونية- الاستعانة بالعمل الصالح، وكثرة التهليل والتسبيح والذكر، مع التعوذ بالله من غضبه، ومن شر الريح.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن في صلاة، ثم يقول:" اللهم إني أعوذ بك من شرها". فإن أمطرت قال:" اللهم صيبا هنيئا".(4).
فعلينا كثرة الاستعاذة من شر هذه الريح. وهذا الأدب علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة أيضا -رضي الله عنها- قالت :"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به".
وفي الترمذي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والبرق قال:"اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك". (من المعروق أن الرعد يتولد من احتكاك السحب بعضها ببعض مما يتولد معه شحنات كهربائية يمكن أن تهلك لو زادت واشتدت).
ولأنه يمكن أن تترتب حرائق من جراء اندلاع البراكين، وقذفها الحمم، فمما يُطفأ به الحريق ما ذُُكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن النار تطفئه". (أي أن التكبير يساعد على إطفاء الحريق، ويقوي الهمم، والعزائم).
ضيق الصدر والشعور بالاختناق
من جراء ما يتعرض له المرء من ملوثات الأرض والبحر والجو.. يجتمع عليه شعور بالاختناق، والوحشة، وضيق الصدر، وكآبة النفس، لا سيما إذا توافق ذلك مع هطول المطر، وهبوب الريح الملوثة بالأتربة، وهنا يجب عليه أن يستعين بذكر الله عز وجل، إذ قال :"ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
وفي سنن الترمذي -رحمه الله- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال :" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال:"سبحان الله العظيم"، وإذا اجتهد في الدعاء قال:" يا حي يا قيوم".
بل بوَّب ابن القيم -رحمه الله- فصلا في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) بعنوان :"فيما يُقال لمن حصل له وحشة"، روى فيه ما جاء في معجم الطبراني عن البراء بن عازب أن رجلا اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوحشة فقال :" قل: سبحان الله الملك القدوس، رب الملائكة والروح، جللت السماوات والأرض بالعزة والجبروت"، فقالها الرجل فأذهب الله عنه الوحشة". (5).
المراجع:
1- الرسالة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، (جمع وترتيب ماهر صالح آل مبارك، مكتبة الحرمين للعلوم النافعة القاهرة، ط1، 1409ه، 1989م، ص 161 ، 162.
2- الرسالة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، مرجع سابق، ص: 170.
3- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن قيم الجوزية، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1408ه، 1987م، ص73 - 74.
4- الوابل الصيب من صحيح الكلم الطيب، ابن قيم الجوزية ، دار الكتاب العربي، تحقيق: محمد عبدالرحمن عوض، بيروت، لبنان، ط1، 1405ه، 1985م، ص 173، 174.
5- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، مرجع سابق، ص:225.