1026573   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
تحقيقات
تطهير المنزلة مشروع قـومي
18/07/2011

اغتيال بحيرة (3) : تطهير المنزلة مشروع  قـومي

تحقيق وتصوير‏ -‏ عبدالرحمن سعد: لماذا لا يصبح تطهير بحيرة المنزلة‏ (‏ أكبر بحيرات مصر‏)‏ من التعديات والتلوث مشروعا قوميا لحكومة عصام شرف؟ لقد رأيناه يستقبل أحمد زويل‏، ويعقد معه مؤتمرا صحفيا‏ ويبشرنا بمدينة علمية‏ تتكلف ملياري دولار‏، وتحمل اسم زويل, ولا تحمل اسم مصر.. بينما لن يتكلف تطهير البحيرة كمشروع قومي أكثر من مائة مليون جنيه, لكنه سيسهم في إنعاش الاستثمار الأهلي, وتوفير فرص عمل لملايين, وازدهار صناعات تقوم علي الصيد, مع الحفاظ علي ثروة وهبها الله لمصر من التبديد والضياع, وتحتاج فقط إلي إرادة سياسية.

شئنا أم أبينا: فرضت البحيرة نفسها علي الجميع, بعد أن برزت إلي الواجهة مع استخدامها مؤخرا في تهريب السولار, وليس بعيدا: تهريب السلاح, والمخدرات, وسائر الممنوعات, في فوضي أمنية عارمة, لا مخرج منها سوي إدارة أمنية حازمة, وصحوة ضمائر وطنية, تجعل الأهالي يتعلقون بالشعرة الأخيرة, وهي أن يستجيب المجلس الأعلي للقوات المسلحة لرغبتهم في أيلولة البحيرة لحرس الحدود, وأن يسهم سلاح المهندسين في تطهيرها, بالتوازي مع كونها مشروعا وطنيا للحكومة الراهنة.

وبعد أن تناول الجزء الأول من هذا التحقيق خطر التعديات, واستعرض الجزء الثاني خطايا التلوث, يكشف هذا الجزء عن أخطر مناطق البلطجة في البحيرة, ويزيح النقاب عن الإهمال الذي تتعرض له آثارها بجزيرتي إبن سلام وتنيس, حتي إن جثامين شهداء العصر الإسلامي مكشوفة في العراء, ويتطرق للأخطار الاجتماعية المحدقة بالصيادين, ويلتقي مصادر أمنية تؤكد أنها تنتظر صدور قرار سياسي بإزالة التعديات.

حول البحيرة, في الدقهلية, وبورسعيد, ودمياط.. يحذر الأهالي من أن استمرار ترك المنزلة فريسة لحيتان التعديات وسموم التلوث يؤدي للإضرار الشديد بحياة الملايين, ويفوت فرصة هائلة للاستقرار والتنمية.

عشق الناس لمهنة الصيد, باعتبارها مهنة الأجداد, تلحظه هنا في كل شارع, وأمام كل بيت, حيث تري مراكب صغار الصيادين أمام بيوتهم..لكنك تشعر بالأسي عندما تراها وقد تلفت نتيجة توقفها عن العمل, وتعرضها للشمس, مما جعلها ساحة للهو الصغار.

في الصباح الباكر تري عشرات الفتيات وقد خرجن للعمل بمنطقة الاستثمار في بورسعيد; كعاملات في مصانع المنظفات والملابس الجاهزة, وغيرها; لإعالة أسرهن, بعد أن وقع آباؤهن من الصيادين المهرة فريسة للمرض والبطالة.

مناطق الموت

تحقيقات الأهرام قامت بجولة في مناطق التعديات داخل البحيرة.. وضعنا أيدينا علي قلوبنا عندما اقتربنا من منطقة يسمونها كلية الشرطة..هي أخطر منطقة يسيطر عليها البلطجية.. سميت بذلك لأنها مكدسة بالسلاح والمسلحين..حاولنا أن نقترب أيضا من منطقة أخري بر الحمرا.. هي مأوي للصوص كذلك, حيث سرقة كل شئ من الأهالي.

مررنا علي جزر ومراحات يتقدمها الكثير من البيوت العشوائية, وتعلوها أطباق الدش, وتتخللها مزارع وحوش وسدود وعلاوي..وتتقدمها مساجد.. فالبحيرة تحتوي علي أكثر من أربعين جزيرة, ومئات المراحات.

هذه الجزر والمراحات بوابة أخري للتعديات.. يقول الدكتور عبد الله الشبلي مدير مركز بحوث المطرية, مشيرا إلي أن أصحاب التعديات بدأوا البناء عليها, ومد المرافق إليها, في ظل تهاون شديد من السلطات.

وعندما تأتي الحملة أو الشرطة لا يمكنها الاقتراب من هذه المستوطنات, إذ يتحصن بها البلطجية, أو يختفون في الدروة والبوص, أو يفرون باللنش الطيار..يساعدهم علي ذلك انعدام التواجد الأمني داخل البحيرة, وعدم وجود أكمنة ثابتة أو متحركة فيها; لمنع الجريمة أو القبض علي المجرمين.

ويقدر البعض أن هناك نحو800 موتور( صاروخ) يمتلكه متنفذون, ويستخدم كثير منها في صيد الزريعة المخالف الذي يهدد الإنتاج السمكي بالبحيرة, وينتشر عند البواغيز, خاصة بوغاز الجميل.

"مشكلتنا صارت أشد من فلسطين..لما يكون عندنا عيال مش عارفين نطعمهم..وكل يوم دم.. صارت البحيرة خرابا.. نصف الصيادين هاجروا للمحافظات الأخري, وبعضهم هاجر لاريتيريا والصومال, لأنهم لا يحصلون علي لقمة العيش. يقول محمد حمودة( صياد).
بينما يشير سليمان الشامي (صياد) بيده قائلا: هذه ألف فدان استولي عليها أحد البلطجية.. يمكن أن يسترزق منها عشرة آلاف صياد.. وضع مهين ومشين ومفجع.. إقطاعيون يستعينون ببلطجية.. مسنودون ومعهم أسلحة.. ولو صاد الغلبان في مياهه ينضرب بالنار, أو يأكل ضربا حتي الموت.

هناك أكثر من خمسين قرار إزالة للتعديات لم يتم تنفيذه- يضيف متابعا:- الصائد لن يكلف الحكومة أي راتب.

قائمة سوداء

من هنا انتشرت بين الأهالي بعد الثورة قائمة سوداء بأسماء أبرز أصحاب تلك التعديات علي المسطح المائي للبحيرة, وراجت علي ألسنتهم, يتقدمهم( ح.أ.ق), و(م.خ) عضوا مجلس الشعب عن الحزب الوطني المنحل, و(م.إ.ع), و(م.ا) عضوا مجلس الشوري عن المنحل أيضا, ويتهمون الأول بأنه حال بين حملة أمنية كبيرة وبين قيامها بعملها في إزالة التعديات بالبحبرة, بمكالمة هاتفية مع أحد أركان النظام السابق.

وتضم قائمة أصحاب التعديات عائلات معروفة للجميع, ويتسلح أفرادها ليس فقط بالبنادق الآلية, وإنما أيضا بمدافع( آر بي جيه); لحماية آلاف الأفدنة التي استولوا عليها.

ولأن من حق المواطنين أن يعرفوا من الذي اغتصب ثروتهم, وأن تتم ملاحقتهم قانونا; يجب علي السلطات القبض علي هؤلاء المعتدين, وتقديمهم جميعا لمحاكمة عادلة.

هكذا يقول المنسق العام للجنة الشعبية للدفاع عن صيادي المطرية وبحيرة المنزلة المحامي حسن الملهاط.
في الوقت نفسه يعترف ز س س س في البحيرة, لكنه يبدي استعدادا قويا لإزالتها, إذا صدر قرار سياسي بذلك, كما يقول, مطالبا باقي أصحاب التعديات بأن يحذوا حذوه.

هذا الموقف نفسه يتخذه عبد الكريم الرفاعي رئيس جمعية الصيادين بالقول: لي أقارب لهم تعديات داخل البحيرة لكن هذا لا يمنعني من المطالبة بإزالة تعدياتهم, والتعامل معهم علي أنهم بلطجية, فالمصلحة العامة فوق كل شئ.

الحاجة لقرار سياسي

قابلت نائب الحاكم العسكري لمركز المطرية, ومأمور القسم, ووكيل إدارة شرطة المسطحات, وجمعتني بهم جميعا, وبمسئولين أمنيين آخرين; جلسات مطولة, وكلهم أجمعوا, بعد أن آثروا عدم نشر أسمائهم, علي أن القضاء المبرم علي التعديات في البحيرة يحتاج إلي إرادة سياسية, وقرار سيادي بمنع التعديات.

وشددوا علي أنه بدون ذلك فلن تتم إزالتها, خاصة بعد أن تفاقم أمرها, مقترحين وجود عنصر من النيابة مع الحملات الأمنية لاستكمال التكييف القانوني لإجراءات الضبط, لأنه في حالات كثيرة يتم تحرير المحاضر, لكنها تتعرض لبطلان الإجراءات.

ويشددون علي ضرورة القيام بحملات إعلامية لوقف نزيف التعديات, معربين عن حاجة الشرطة إلي مساندة الأهالي في هذا الصدد, وأهمية الدفع بصنادل حديثة لرفع مخلفات الإزالات, وورد النيل, وزيادة معدات الإزالة( الحفارات).

إذا تمت زيادة الحفارات بعدد عشر حفارات أخري, فسيمكن في خلال سنة واحدة أن تعود البحيرة مسطحا مائيا كما كانت.. أعد بذلك.

الكلام للمهندس أكرم حاتم مدير الثروة السمكية بالمطرية الذي يضيف: تعمل الهيئة بطاقة عشر حفارات حاليا( في قطاع الدقهلية والجمالية), وقد تم تحريك شفاط إلي بوغاز الجميل لتطهيره, وتوصيل المياه المالحة من خلاله للبحيرة, علي أن تأتي خمس حفارات أخري للبحيرة في يوليو الجاري.

في السياق نفسه, يؤكد المهندس محمد عبد العزيز المسئول في الإدارة البحرية لبحيرة البردويل أنه سيتم تحريك الشفاط الكبير الموجود في البحيرة للعمل في المنزلة خلال أقل من سنة.
لكن الشيخ محمد عبد الرحمن الدياسطي إمام وخطيب مسجد النور التابع لوزارة الأوقاف لا يري في ذلك أمرا كافيا, إذ يطالب بتغيير كل القيادات التي أثبتت فشلها في العهد السابق, في إزالة التعديات وتطهير البحيرة, سواء في شرطة المسطحات أو هيئة الثروة السمكية أو حتي رئاسة المدينة.

يقول: غير معقول أن تستمر هذه القيادات في مواقعها بعد الثورة, مشددا علي أن صلاح البر مرتبط بصلاح البحر.

الشيخ محمد تناول البحيرة كثيرا في خطبه, وهاجم التعديات عليها بضراوة, مما جعله هدفا للتهديد بالقتل.

حرس الحدود هو الحل

نظمنا وقفات احتجاجية قبل الثورة وبعدها, طالبنا بإزالة التعديات, أزالوا أربعين فدانا منها بمنطقة وش البلد ثم عادت أسوأ مما كانت..كنا نترك الشباك لنصيد السمك, ونعود لنجدها بأماكنها..الآن لا نجد المراكب أصلا.. والحل: جعل المنزلة- كما كانت- للصيد الحر. الكلام لحسن عبد العال بلحة, ويعمل صيادا منذ45 سنة.

المنزلة تحولت إلي مهزلة.. يقول بأسي جمال عبدالعال. ويضيف: السمك موجود24 ساعة, لكنني اضطر للذهاب إلي منطقة الجميل ناحية بور سعيد(3 ساعات رايح و3 ساعات جاي بفلوكتي الصغيرة).. للعودة بقليل من السمك.

هل يعقل أنه لم يقدم بلطجي واحد إلي المحاكمة العسكرية, بينما بعضهم متورط في جرائم قتل بالبحيرة؟ يتساءل. ويواصل: قبل أيام ضبطوا مع بعض البلطجية أسلحة, لكنهم أفرجوا عنهم..برغم أن القرصنة كانت وصلت إلي حد توقيف السفن في المياه الدولية للتهريب.

ويختم: أهم حاجة الآن: ضم البحيرة لحرس الحدود.

ومتفقا معه يقول مجدي أبو السيد( صياد بقرية شطا في دمياط): البحيرة عاوزة حكومة قوية, تجمع السلاح من أيدي البلطجية.

خطوط الدفاع

ضياع البحيرة يساعد علي انتشار التطرف نتيجة البطالة. وإزالة التعديات آخر خط دفاع عن البحيرة. الكلام للمهندس محمد فرج رئيس لجنة الثروة السمكية الأسبق بمجلس محلي محافظة الدقهلية, مضيفا: لابد من توفير تمويل قوي من وزارة التعاون الدولي.

المطلب نفسه يذكره رئيس جمعية الصيادين إذ يطالب أبو النجا بتوفير منحة دولية للبحيرة, التي سقطت من اهتمامها طوال الفترة الماضية, وأيلولتها لحرس الحدود, وإسناد تطهيرها لسلاح المهندسين.

نريد أن نعرف أين تقف الحكومة..هل تواصل مسلسل التجفيف السيئ أم تعود بالبحيرة مسطحا مائيا؟

سؤال يطرحه محمد السيد عزام رئيس لجنة الثروة السمكية بمجلس محلي محافظة الدقهلية, مضيفا: المطلوب إسناد البحيرة إلي حرس الحدود بالقوات المسلحة, ولابد أيضا من تكثيف التواجد الأمني, وإنشاء نقاط حراسة أمنية ثابتة ومتحركة داخل البحيرة, والقبض علي جميع المخالفين..أيا كانت عائلاتهم, ومناصبهم.

إهمال آثار الصحابة

تتواجد في البحيرة مجموعة من الجزر الأثرية أبرزها جزيرة ابن سلام, وتضم ضريح الصحابي الجليل عبد الله بن سلام, وكان يفد إليها زائرون كثيرون علي مدار التاريخ, لكن راعني عندما زرتها ما تتعرض له من إهمال; حيث لا موظف آثار ولا أوقاف.. وقبورها مكشوفة في العراء.

ومن العجائب أنني رأيت جثامين بهذه القبور تعود لمئات السنين, وما زالت كما هي كأنه تم دفنها قبل أيام.. فالأجساد تبدو شبه كاملة من الأكفان, ويشع منها نور غريب.. نور شفيف مريح للنفس.
أيضا يوجد كنز آخر مكنون هو جزيرة تنيس التي يوجد وسط البحيرة, وتعود إلي العصر الإسلامي أيضا, وكتب عنها مشاهير المؤرخين والرحالة, لكنها تتعرض حاليا للإهمال الجسيم, وتحاصرها العشش والمزارع والأبنية, وهناك خوف كبير علي آثارها من عصابات نهب الآثار.

اجتماع مع شرف

والأمر هكذا, يكشف اللواء محسن حفظي محافظ الدقهلية لتحقيقات الأهرام عن أن هناك اجتماعا سيجمع محافظي الدقهلية وبور سعيد ودمياط مع الدكتور عصام شرف خلال أيام لوضع استراتيجية متكاملة لتنمية البحيرة.

ويقول: مطلوب رؤية محددة لكيفية التعامل الصارم مع التعديات القائمة, وزيادة مساحات الصيد الحر; لا سيما أن البحيرة لها طبيعة جغرافية واسترتيجية وقومية خاصة إذ تصل قلب مصر( دلتا النيل) بقناة السويس, ولابد من السيطرة الأمنية التامة عليها, وعدم تركها نهبا لعصابات التهريب والتعديات ومسالك الإجرام لا سيما في الليل.
ويضيف: أزلنا 13 ألف فدان تعديات في البحيرة خلال عامي2009, و..2010 وقبل الثورة بشهرين تمت إزالة800 فدان من التعديات..وخلال أحداث الثورة أزالت القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة900 فدان أخري تعديات.

المصدر : الأهرام

التاريخ: الخميس 13 من شعبان 1432 هـ   14 يوليو 2011 السنة 135 العدد 455109

الرابط:

http://www.ahram.org.eg/Investigations/News/89368.aspx


اغتيال بحيرة (2) : سموم في شرايين المنزلة‏‏ 

تحقيق وتصوير‏:‏عبد الرحمن سعد: لا يقف الخطر الذي يهدد بحيرة المنزلة عندتطهير 
 التعدي عليها بالردم والتجفيف وتضييق الخناق علي الصيد الحر بمسطحها المائي‏،‏ وهو ما أوضحه الجزء الأول من هذا التحقيق‏،‏ وإنما يمتد إلي تعرضها لتلوث يمتد بداخلها طولا وعرضا‏،‏ ويجعلها تتبوأ المركز الأول بين بحيرات العالم الأكثر تلوثا،
 حتي أصبحت المرحاض العمومي لمصر، نظرا لما تستقبله من ملوثات.

في هذا الجزء نتتبع رحلة تلوث البحيرة بالسموم المميتة عبر إلقاء الصرفين الزراعي والصحي فيها، عند الدقهلية خاصة، من مصرفي بحر البقر وبحر حادوس وغيرهما، وإلقاء الصرف الصناعي المدمر فيها، لا سيما من مصانع دمياط وبورسعيد، ونكشف: كيف تحولت البحيرة إلي نقطة سوداء تزخر بأنواع الملوثات السامة، ونرصد ما أدت إليه من ارتفاع نسبة الإصابة بين الأهالي بأمراض البلهارسيا والتليف الكبدي والفشل الكلوي.

كما نحاول تقصي حقيقة نتائج العينات التي تأتي من المعامل المركزية بوزارة الصحة بأن أسماك البحيرة سليمة بينما المياه غير مطابقة، وهو ما يرفضه باحثون بمركز بحوث المطرية، بل ويتشكك فيه وكيل مديرية الصحة بالقول: هل هي نتائج أمنية، في وقت تحذر فيه الدراسات من أن أسماك البحيرة ومزارعها السمكية هي الأكثر احتواء علي العناصر الثقيلة، ما اقتضي اتجاها شعبيا يتبلور حاليا بين الأهالي لمقاضاة هيئة الثروة السمكية، باعتبار أن البحيرة تحت ولايتها.

بداية التلوث في البحيرة تعود، فيما يوضحه الشيخ ضياء محمود أبو النجا (أحد مواطني المطرية)، إلي عام1967 عندما حدثت النكسة، وتم إغلاق البواغيز.. الأمر الذي استغله بعض المنتفعين بإقامة تحاويط( جمع تحويطة) علي أجزاء من المسطح المائي للبحيرة، ثم حمايتها بتهديد السلاح، فأصبحوا مليونيرات من ناتج الحوش( الحوز)، بينما باع الصيادون الفقراء حلل الطعام ليأكلوا بثمنها!

أسماك نافقة

التغير في نوعية مياه البحيرة من مالحة إلي عذبة يرجعه المهندس أكرم حاتم مدير الثروة السمكية بالمطرية إلي صرف المصارف الزراعية والصحية فيها، وأشهرها بحر البقر وبحر حادوس ومحب والسيالة، وتفتيش السر مما أدي إلي زيادة الترسيبات في البحيرة.

ويضيف: في الماضي كانت المياه مالحة في البحيرة، الآن أصبحت شروب أي: خليطا من المالحة والعذبة، ما أدي إلي انحسار جميع أنواع الأسماك التي كانت تعيش فيها، والاكتفاء بالقرموط والبلطي.

ويناشد بسرعة إنشاء محطات معالجة علي المصبات المائية للمصارف المتواجدة علي البحيرة، بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي صرف بحر البقر في البحر المتوسط.
لمصلحة من عدم تطهير البواغيز؟.

تساؤل يثيره عاطف منير النحاس عضو مجلس إدارة الجمعية الخيرية الإسلامية بالمطرية، وله حق في ذلك، إذ يشكو يوسف الإتربي، وهو صاحب مزرعة سمكية بقرية شطا في دمياط، من أن السمك مات في مزرعته، نتيجة وحاشة( تلوث) المياه، وهو السبب نفسه الذي أدي إلي تظاهر صيادي دمياط أمام هيئة الثروة السمكية يوم26 يونيو الماضي، بعد أن أحاطوا مباني الهيئة بالأسماك النافقة لمزارعهم.

رحلة بين الملوثات

لنحو خمس ساعات جاب بنا المركب البحيرة في المحافظات الثلاث: الدقهلية وبور سعيد ودمياط. البداية كانت من المطرية( دقهلية).. اخترنا لجولتنا الصباح الباكر من الجمعة10 يونيو الماضي لأنها الساعة التي قدرنا أنه يفتر فيها شياطين البلطجة.
دول العالم تصنع بحيرات صناعية، ونحن نقتل بحيرة طبيعية..سبحان الله!. التعجب لسليمان الشامي( صياد)
.
خلال الجولة طالعنا مشاريع للموت.. غلمانا يستحمون بأعماقها الملوثة، وصيادين يسمونهم طباشة ينزلون بأجسامهم في مياهها، لصيد السمك، وصيادي تحويطات( تعتبرها السلطات مخالفة) لوضع تحاويط حول مناطق من البحيرة تدخل فيها الأسماك فلا تخرج إلا في شباكهم.

البحيرة فريسة أيضا لورد النيل، ويسميه الأهالي بشنين، إذ هاجم نحو60% منها في بعض التقديرات.

انظر ماذا فعل الصرف الصحي في المياه.. يتحسر حسن عبد العال بلحة( صياد).. عند جزيرة إبن سلام.

بينما روائح كريهة تنبعث من أجزاء عدة في البحيرة، ومياه عطنة في أجزاء أخري، ما جعل محمد حمودة( صياد) يطالب بأن تقوم إحدي الشركات بتطهير البحيرة، علي أن يتم وضع ميزانية محددة، وجدول زمني، لأعمال التطهير.

في القابوطي

القابوطي حي أقدم من بور سعيد نفسها ويطل علي البحيرة في نهايتها عند قناة الاتصال التي تصلها بقناة السويس من الشرق، لكنه الآن الأكثر إهمالا.. لون المياه أخضر أو أسود داكن من شدة التلوث بأنواعه.

السمك اتعدم.. لذا نمشي في المخالف. يقول أحمد معاطي، ويقصد بالمخالف قناة السويس.

هنا- في القابوطي- تستقبل البحيرة جميع أنواع الصرف الصناعي، خاصة مخلفات منطقة الاستثمار، والصناعات الكيماوية، وأبرزها مصنع سنمار.

لذا تنصب مطالب الأهالي (جلال عبد السميع، وإبراهيم معاطي، ومصطفي السيد مصطفي، ومحمد يوسف وحسن صيام)، وكلهم من صيادي القابوطي، علي ضرورة ترحيل المصنع المذكور، لأنه أصبح مصنع الدمار، بحسب تعبيرهم، نتيجة تلويثه مياه البحيرة، وتسببه في موت الأسماك.

عضو مجلس الشعب السابق عن بورسعيد الدكتور أكرم الشاعر أشد غضبا إذ يقول لو حاول أعداؤنا تدمير البحيرة لما وصلوا في تدميرها إلي ما وصل إليه النظام السابق.

ويضيف: سنمار يصب الكلور المركز، ونفايات البترو كيماويات في البحيرة، وهناك مصانع غيره تقوم بصرف مخلفاتها دون معالجة في منطقة قعر البحر التي تم أخذ عينات من مياهها فجاءت غير مطابقة.

ويتساءل: هيئة الثروة السمكية أجرت76 فدانا للمصنع بأجر14 جنيها فقط للفدان..هل هذا معقول ؟

ومن ثم يدعو إلي تقنين أوضاع المصانع التي تصب مياهها غير المعالجة في البحيرة، بل وإغلاقها.. لأن صحة المواطن أهم، بحسب تعبيره.

ويصف وزارة البيئة في عهدها الحالي، بأنها محلل، مشيرا إلي أن قيادتها لم تتغير بعد الثورة، ومضيفا: إنها جزء من المشكلة لأنها لا تقاوم التلوث.

في شطا بدمياط

وصلنا إلي قرية شطا بدمياط، حيث لا يوجد مرسي للمراكب، بينما قطعان جاموس ترتع وتقتات علي النفايات بإحدي ضفتي البحيرة.

يتضرر الأهالي هنا- كالعادة- من عدم وجود مساحة كافية للصيد إلا مساحة صغيرة يتقاتلون عليها.

لدينا24 قرية في دمياط يبلغ عدد الصيادين فيها نحو ربع مليون صياد، ويعانون الأمرين في ممارسة المهنة. يقول حمدي حجازي.

ويبدي مجدي أبو السيد نقمته علي يوسف والي، لأنه- كما يقول- أخذ ألف فدان من المساحة هنا، وسمح بتحويلها إلي مزارع سمكية، لكن حمودة عاشور( صاحب إحدي هذه المزارع) يقول إنه أجرها من هيئة الثروة السمكية، وتكبد فيها آلاف الجنيهات، لكن السمك نفق نظرا لـوحاشة المياه.

وبالفعل، يكشف المهندس مجدي عبد الواحد مدير مشروعات الثروة السمكية بدمياط عن العثور علي سمك ميت بمزرعة سمكية بمنطقة الخياطة، مرجعا ذلك إلي تلوث المياه، بسبب الصرف الصحي. ويقول: نحرر محاضر للجهات المخالفة التي تصرف علي البحيرة; لكن الأهالي يعتبرون ذلك إجراء شكليا، وغير كاف بالمرة.

صيادون بلا حقوق

مردود التلوث في البحيرة واضح جدا علي صحة الصيادين، وأفراد أسرهم.. والدة الصياد طه محمد سعد سيدة مسنة تعيش معه في غرفة واحدة.. طه عمره(43) سنة، لكنه أصيب بالبلهارسيا، فتوقف عن الصيد، الآن هو طريح الفراش..انفصلت عنه زوجته، واصطحبت الأبناء معها، نتيجة هذه الظروف.

والدة طه مات زوجها أيضا بتليف في الكبد من جراء إصابته بالبلهارسيا قبل نحو عام، وتوفي ابنها الغريب محمد سعد، وكان يعمل صيادا، منذ أربعة شهور أيضا، كما أصيبت ابنتها بالتليف الكبدي..هذه الأمراض والوفيات في أسرة واحدة.. هل البحيرة بريئة منها؟!

الإجابة تأتيني من لقاءات طاردني بها عشرات الصيادين، أعطوني أوراق تحاليلهم، مؤملين أن تساعد وزارة الصحة في علاجهم.. ينتمون إلي مختلف الأعمار، لكنهم أصيبوا بتليف الكبد، والالتهاب الفيروسي، والفشل الكلوي..وكلهم أجمعوا علي أن أمراضهم هي نتيجة النزول في البحيرة، وأكل أسماكها، وبرغم ذلك ما زال بعضهم يمارس مهنة الصيد فيها.. لتدبير قوت أبنائه، ونفقات علاجه.

شكواهم واحدة أيضا من أنه لا تأمين لهم، ولا معاشات، ولا علاج علي نفقة التأمين الصحي. وأخيرا: يعانون من إهمال يضرب بجذوره في مستشفي المطرية الذي يترددون عليه للعلاج.
خطر علي الصحة

عدم تطهير البحيرة أدي إلي انتشار الإصابة بالبلهارسيا. ولأن الصياد لا يعالجها دوريا فإنه يصاب بمضاعفاتها مثل تليف الكبد، وتضخم الطحال، واستسقاء البطن، والقئ الدموي.

هكذا يعلق الدكتور محمد عفيفي أخصائي الأمراض المتوطنة بالمطرية.

ومتفقا معه يرجع الدكتور محمد عبده ندا وكيل مستشفي المطرية المركزي سبب زيادة معدلات الإصابة بالبلهارسيا والفشل الكلوي بين الصيادين إلي تلوث البحيرة بالعناصر الثقيلة.

حقيقة العينات

لمكافحة التلوث تقوم وحدة الصحة في المطرية بجمع عينات شهرية من الأسماك والمياه، من خمس مناطق بالبحيرة، قابلة للتغيير كل شهر، ويتم إرسالها إلي المعامل المركزية بوزارة الصحة.

الكلام للدكتور إبراهيم محمد أبوالنجا وكيل وقائي الإدارة الصحية في المطرية، الذي يشير إلي أن نتائج العينات ظلت تأتي من المعامل المركزية علي مدي السنوات الماضية بأن السمك سليم، وأن المياه غير سليمة.. حتي آخر تقرير، قبل الثورة بخمسة أيام. ويتساءل: هل هي نتائج كانت تصدر لأسباب أمنية؟

بينما يعلق الدكتور أحمد عبدالخالق الليثي الباحث بمركز بحوث المطرية بالقول: هناك تناقض في النتيجة، فلو كانت المياه سليمة سيكون السمك سليما; ولو كانت العناصر الثقيلة فيه كثيرة فسيكون السمك مخزنا لها.

ويستشهد بدراسة أجراها علي سمك البلطي في البحيرة أكدت زيادة نسبة العناصر الثقيلة فيه عن الحد المسموح به عالميا خاصة عناصر: الرصاص والنحاس والزنك والكادميوم والزرنيخ والحديد والكوبلت والزئبق.

دعوي جنائية

المنسق العام للجنة عن صيادي المطرية وبحيرة المنزلة المحامي حسن الملهاط يصف نتائج عينات معامل وزارة الصحة بأنه تلاعب يستهدف تهدئة الرأي العام علي حساب الصحة العامة.
ويكشف عن أن الأهالي بصدد إبلاغ الجهات الرقابية، والنائب العام، وتحريك الدعوي الجنائية بحق رئيس هيئة الثروة السمكية، لتوافر المسئولية المدنية والجنائية تجاهه، باعتباره المسئول المباشر عن البحيرة، وكذلك مخاطبة الجهات الدولية المعنية، نظرا لما تسببه البحيرة بوضعها الراهن من تلوث لمياه البحر المتوسط، مثل الاتحاد الأوروبي، وغيره من المنظمات الدولية.

ويضيف أن الأهالي أيضا بصدد تحريك دعوي جنائية للتحقيق في قرارات وزير الزراعة الأسبق يوسف والي بشأن جعل منطقتي قعر البحر والجحر، تابعتين لهيئة التعمير، إذ إنهما خاضعتان لولاية هيئة الثروة السمكية.

بينما يتهم محمد السيد عزام رئيس لجنة الثروة السمكية بمجلس محلي الدقهلية، إدارة الهيئة بأنها تسببت في إفساد البحيرة نتيجة إضفاء الشرعية علي التعديات بما سمي بـ عقود المؤاجرة، فتحولت إلي تاجر يتاجر في البحيرة كمنفعة عامة لتصبح إقطاعية لأصحاب المال.

مطالب شعبية

عبد الكريم الرفاعي رئيس جمعية الصيادين بالمطرية يطالب- من جهته- بمنع الحفارات الأهلية (التي تستخدم في التجفيف) من العمل، وكذلك منع تأجير شواطئ البحيرة وأطرافها من قبل الهيئة المذكورة.

ومتفقا معه، يطلب فتحي منصور حوالة عضو الجمعية إدخال المياه المالحة إلي البحيرة، والاكتفاء بالمراكب الشراعية.

أما لجنة الدفاع عن الصيادين فتطالب بتطهير البواغيز خاصة بوغاز الجميل الجديد، كما تدعو وزير الري لتحويل مصرف بحر البقر أو إرجاعه إلي الخلف نحو عشرة كيلو مترات عن المصب حتي يبعد عن البوغاز، وتطالب بتعديل القانون رقم124 لسنة1983، وإضافة بند مصادرة الحفارات الأهلية واللنشات ذات المحرك الآلي.

تعهدات

يطالب الدكتور عبد الله الشبلي مدير مركز بحوث المطرية بوقف الصرف الصحي علي البحيرة، وعمل محطات معالجة، ومنع حرف الصيد الجائر.

ويدعو إلي منع صيد الأسماك الصغيرة( الذريعة)، لا سيما في البواغيز، وكذلك منع صيد الأمهات لصنع البطارخ، وتركها كي تفرخ، مع عمل مقاطع طولية وعرضية بالبحيرة.

وفي المقابل، تعهد اللواء محسن حفظي محافظ الدقهلية لـ تحقيقات الأهرام بأنه سيعمل علي التنسيق مع وزارة الزراعة لدراسة طرح عملية تطهير البحيرة بأكملها في مناقصة عامة علي الشركات المتخصصة، وكذا تعديل مواد قانون الصيد رقم124 لسنة83 لتغليظ العقوبة علي المخالفين، والتنسيق مع وزارة التعاون الدولي لتوفير منحة مالية لدعم البحيرة بالكراكات، والحفارات اللازمة.

المحافظ تعهد أيضا بتفعيل قرار التحفظ علي المعدات والآلآت المستخدمة في التعديات، والسماح لهيئة الثروة السمكية باستخدامها في أعمال التطهير، وقصر إصدار تراخيص اللنشات العاملة بالبحيرة علي جهة واحدة، وحظر إقامة مزارع سمكية بالبحيرة، وقصر استخدامها علي الصيد الحر، وعدم قيام هيئة الثروة السمكية بمنح عقود إيجار جديدة لإقامة منشآت حول البحيرة، ودراسة إنشاء نقابة عامة للصيادين، وبورصة للأسماك، وتكثيف أوجه الرعاية الطبية والإنسانية والاجتماعية للصيادين.

ويبقي السؤال: هل تصمد تعهدات المحافظ للزمن، ويري الأهالي تطبيقها علي أرض الواقع؟


الحلقة الأخيرة: (المنزلة.. مشروع قومي).  

المصدر : الأهرام

الأربعاء 5 من شعبان 1432 هـ   6 يوليو 2011 السنة 135 العدد 45502


الرابط: http://www.ahram.org.eg/Investigations/News/87821.aspx


اغتيال بحيرة (1): دماء على مياه المنزلة

تحقيق وتصوير‏:‏ عبدالرحمن سعد- لو لم تحدث ثورة في مصر لكانت الجريمة التي تعرضت لها بحيرة المنزلة كفيلة بإشعال تلك الثورة‏,‏ فالنظام السابق لم يكتف بإفساد البر‏,‏ ولكنه أفسد البحيرة أيضا‏,‏ بسياساته الفاشلة المتمثلة في تجفيفها لحساب استصلاح زراعي وعد به الجماهير، دون قدرة علي الوفاء بوعوده, مما تسبب في خسارة مسطحها المائي أكثر من نصفه, إذ تناقص من 280ألف فدان عام 1928إلي مائة وستة عشر ألفا أوائل يونيو الماضي, بحسب التصوير الجوي لها بالاقمار الصناعية.

وبعد أن كانت البحيرة مصدرا لإعاشة أكثر من مليون صياد يتوزعون علي خمس محافظات, أصبح هؤلاء فريسة للبطالة والامراض وانعدام الأمل, مما دفعهم للهجرة الداخلية للصيد في محافظات مجاورة كالسويس والبحر الاحمر, أو الهجرة الخارجية للصيد في ليبيا واليونان ودول الخليج, وغيرها بينما يواجه من تبقي من صياديها خطر الموت اليومي علي يد أصحاب النفوذ المتحصنين بالمافيا والبلطجية لحماية تعدياتهم داخل البحيرة.

في كل تظاهراتهم, وآخرها أمام مبني الثروة السمكية بدمياط, يوم 26يونيو الماضي, طالب الصيادون حكومة الدكتور عصام شرف بأن تطهر البحيرة من التعديات حتي لاتختفي من خريطة مصر, لانها توفر للبلاد مصدرا للأمن الغذائي يتمثل في ثلث احتياجها السمكي, وفرص عمل تكفي أكثر من مليون صياد يضطرون إلي اللجوء للهجرة غير المشروعة, وأحدثها الاسبوع الماضي, عندما تم ضبط 45شابا بعزبة البرج بدمياط وهم يحاولون الهجرة لايطاليا باستخدام مركب صيد.

هي بحيرة الموت إذن, كما يصفها الاهالي, بالنظر إلي خطايا النظام السابق, الذي سمح بالتعديات عليها, عندما لجأ إلي تجفيف مساحات كبيرة منها, وتحويلها إلي أراض زراعية, بقرارات سيادية وهو التعبير الذي صكته وثيقة صادرة من هيئة تنمية الثروة السمكية بتاريخ22 نوفمبر
1991ومن هنا يوجه الاهالي والمسئولون المحليون في ثلاث محافظات انتقلت إليها تحقيقات الاهرام الدعوة للمجلس الاعلي للقوات المسلحة, لاصدار قراره بأن تؤول الرقابة علي البحيرة إلي حرس الحدود, باعتبار أنها مترامية الاطراف وتحتاج إلي اجراءات أمنية تفوق القدرات الراهنة لشرطة المسطحات المائية, خاصة أن البحيرة كانت تتبع حرس الحدود بالفعل, حتي سنة 1938عندما صدر القرار الجمهوري للرئيس المخلوع بأن تصبح هيئة تنمية الثروة السمكية هي المختصة ولائيا بالاشراف علي البحيرات!

وللشكوي مما آلت إليه البحيرة من تعديات وخراب, منذ ذلك التاريخ, أرسل الأهالي طوال العقود الثلاثة الماضية عشرات الفاكسات إلي أركان النظام البائد, مقترحين الحلول اللازمة للأزمة, لكن الحكومة وقتذاك واجهتها باجراءات شكلية, إذ عقدت حكومة الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء المؤتمر القومي لبيئة بحيرة المنزلة في عام1991, دون الوصول إلي حلول تذكر.

رئيس الوزراء التالي, وهو الدكتور أحمد نظيف آخر رئيس وزراء في النظام السابق اكتفي بالوعود الشفوية, إذ واجهه شيخ الصيادين في المطرية حسن إبراهيم الشوا خلال اجتماع الاتحاد النوعي للجمعيات الأهلية في فبراير عام2010  بالقول: نحملك أمانة هي أن تهتم ببحيرة المنزلة, فالبحيرة ضاعت, والغلابة ماتوا فرد عليه نظيف بتأثر: أطمئنوا.. من العين دي والعين دي وبالطبع كان حديث العيون كاذبا كما يقول شيخ الصيادين.
> ما مشكلة البحيرة؟

 مشكلتها: التجفيف, والتعديات
 
الرد السابق للمنسق العام للجنة الشعبية للدفاع عن صيادي المطرية وبحيرة المنزلة المحامي حسن محمد الملهاط.
لكن الحق يقال, ذلك أن تناقص مساحة البحيرة من 570ألف فدان الي 611ألفا لم يكن مسئولية النظام السابق فقط, بل مسئولية الحكام الذين توالوا علي حكم مصر منذ عام 1911, لانه في خلال القرن المنصرم, وكما يوضح مدير هيئة الثروة السمكية بالمطرية أكرم حاتم أبو حسين, تم شق قناة السويس التي استقطعت 350ألف فدان من البحيرة, وبمقتضاها ظهرت محافظتا بورسعيد والاسماعيلية, ومدينة بور فؤاد علاوة علي تجفيف نحو 220ألف فدان لصالح شق ترعة السلام, وانشاء عدد من الطرق السريعة والدائرية والطريق الدولي, وتجفيف مساحات لتحويلها إلي أراض زراعية, وهكذا بقي من البحيرة 190ألف فدان فقط بحلول عام.1987

معاول الهدم

البحيرة كانت أشبه بمنتجع سياحي إذ كانت مسطحا أبيض تعيش فيه جميع أنواع الاسماك, حتي أوائل الثمانينيات تحت اشراف حرس الحدود, حتي بدأ خرابها بصدور القرار الجمهوري باسنادها لهيئة الثروة السمكية, إذ بدأت التعديات من أصحاب النفوذ الذين استندوا إلي قربهم من القيادة السياسية.

هكذا يقول محمد السيد عزام رئيس لجنة الثروة السمكية في مجلس محلي محافظة الدقهلية, مؤكدا ان معول الهدم الثاني للبحيرة جاء علي يد وزير الزراعة الأسبق الدكتور يوسف والي, الذي أراد تدبير مائة ألف فـــدان تنص علي استصلاحها الخطة الخمسية للحكومة من تجفيف بحيرة المنزلة, فكانت النتيجة صنع مافيا لبيع الاراضي المجففة.

وبالتزامن مع ذلك ـ يتابع ـ جاء الفساد الكبير من مسئولي هيئة الثروة السمكية, وكانت بوابتهم اليه نظام المؤاجرة إذ قاموا بتأجير شواطيء البحيرة لبعض المتنفذين فكانت تلك المؤجرات بداية ناقوس الخطر, لان الواحد من هؤلاء كان يقوم بتأجير خمسة أفدنة لكنه يتعدي بعدها علي آلاف الافدنة بحجة أنه قام بتأجيرها.

ويتفق المهندس محمد فرج رئيس لجنة الثروة السمكية السابق بمجلس محلي محافظة الدقهلية مع الرؤية السابقة بالقول انه علي مدي الأعوام الثلاثين الأخيرة تعرضت البحيرة لعملية تجفيف واسعة خاصة في عهد يوسف والي.

وجاءت جميع الآليات لحل أزمة البحيرة فاسدة لأنه وقف وراءها شبكة عنكبوتية من المسئولين الفاسدين الموزعين علي وزارات الزراعة والإسكان والداخلية الذين ارتبطوا بمصالح مع اصحاب التعديات, بالرغم من انه لايجوز قانونا تجفيف شبر من مسطحها.

الكلام هذه المرة لعبد الرحمن الريس ـ عضو مجلس الشعب السابق ـ الذي يتهم فيه يوسف والي أيضا بأنه استولي أيضا علي منطقة الجحر, ومساحتها30 ألف فدان, واصدر قراره بتجفيفها, مع تخصيص عشرة آلاف فدان منها لموظفي هيئة التعمير, وخمسة آلاف لهيئة الثروة السمكية, وهؤلاء اخذوا يبيعونها لحسابهم لتصبح مزارع سمكية خاصة.. يتساءل الريس: من اعطاه الحق في منحها, وطرد الصيادين من مصدر رزقهم؟

ويضيف: العجيب ان هيئة التعمير اصرت علي أخذ المساحة, وتحولت علي يديها لمزارع سمكية, وليس لأرض زراعية, متابعا: ليس معقولا بعد الثورة ان يستمر هذا الفساد.

جولة وسط التعديات

في جولة بين المحافظات الثلاث لاحظت تحقيقات الأهرام ان المساحة المتاحة امام الصيد الحر ضيئلة للغاية, بالمقارنة مع المساحات التي اغتصبها اصحاب التعديات لإقامة الحوش والسدود والمزارع المخالفة.

الجولة تكشف كيف تتم التعديات, ففي البداية تتم احاطة جزء من المسطح المائي بجدار من الطين, خاصة ان مياه البحيرة ضحلة, وعمقها يتراوح مابين70 سنتيمترا ومتر ونصف المتر فقط, أو تتم الاستعانة بسرطان البحيرة ورد النيل أو البشتيت كما يسميه الصيادون لعمل حوش مائي, يمتد علي مساحة شاسعة من الماء, ويلجأ السمك للعيش تحته, فيصبح ملكية لمحتكر الاقطاعية, ويربح صاحبها من ورائها ملايين الجنيهات في مدة يسيره, في حين يعاني الصيادون الغلابة الأمرين.

وبدأت تحقيقات الأهرام الرحلة داخل البحيرة من مدينة المطرية ـ دقهلية, وهي شبه جزيرة تقع في منتصف جنوب البحيرة, ويقطنها نحو خمسمائة ألف نسمة, ويعمل مايزيد علي90% من اهلها في الصيد, وبرغم احتوائها علي مائتي مسجد, إلا أن اهلها يسمونها مدينة المطاريد من فرط إهمال الحكومة لها.

وحسب تصريحات شيخ الصيادين حسن الشوا كانت المطرية تنتج مائة ألف طن من الأسماك عام1980 لكن إنتاجها حاليا لايتجاوز خمسة آلاف طن, معظمه يأتي من المزارع السمكية.
خلال الجولة تبين ان البحيرة تحولت إلي ازقة وممرات, واخذت التعديات احيانا شكل منشآت ومبان خرسانية واحواض وسدود.. ولإضفاء شرعية عليها لجأ بعض اصحاب التعديات إلي اقامة مساجد وسطها.. كما ان هناك بيوتا متداخلة مع ضفاف البحيرة, وبعضها تمت اقامته بعد الثورة.

في بداية الجولة عند المرسي, قابلنا العربي فياض, وهو صياد منذ عام1948, وكان يصلح من شباكه, أو غزله, كما يقول, مضيفا: حرام والله مايحدث للبحيرة.. شوية المياه دول حياتنا, وهذه البحيرة بألف مصنع, ومع ذلك مش عارفين نشتغل.

شهداء البحيرة

في مسلسل مازال معروضا. لقي صيادون كثيرون حتفهم خلال السنوات الأخيرة علي ايدي البلطجية داخل البحيرة.. النظام البائد الذي تحصن بقانون الطوارئ, لم يستخدم هذا القانون ابدا لكبح جماح هؤلاء البلطجية.
أحمد رشاد فياض(40سنة) لقي وجه ربه بعد أن ضربه أمين شرطة داخل البحيرة قبل عامين فحكمت المحكمة بسجنه ثلاث سنوات.. كانت الشرطة في العهد البائد تطارد الصيادين, وتترك حيتان التعديات.. تقول زوجته. وتضيف: لا يشفي غليلي هذا الحكم الهزيل, وأطالب بإعدام كل من يرتكب تعديات.

محمود فياض( صياد) شقيق المتوفي يقول: تعرضت أنا أيضا لإطلاق نار منذ عشرة أيام في مكان دخلناه قبل ذلك, وتعرضت لشتائم صاحب التعديات, قبل أن يطلق رصاصه علي.. أخذت غزلي( الشباك), وانصرفت.
العربي فياض( ابن عم الفقيد) ترك الصيد بسبب الحادثة, ويقول: هل تصدق أن الناس تذهب لبائع السمك لتشتري بجنيه سمك.. لقد صار أصحاب المزارع والتعديات يتحكمون في أسعاره.

حادث آخر دفع ثمنه صيادان شقيقان: محمد ومحمود حوالة.. كلاهما توفي بالرصاص من جراء إطلاق النار عليهما داخل البحيرة, تم القبض علي المتهمين, وصدر الحكم هذه المرة باعدامهما, لكن الأب( محمود) يشكو باكيا من تأخر تنفيذ الحكم برغم تصديق المفتي عليه منذ مايو الماضي.. وبانفعال يقول عم القتيلين( أحمد): هل تنتظر الحكومة أن نرتكب مجزرة؟

البعض الآخر من الصيادين كان حظه أفضل إذ تعرض للإصابة فقط من البلطجية, ويكشف عوض محمود أمين(39سنة) عن جسمه الممتلئ بالشظايا, علي أثر اطلاق الخرطوش عليه من قبل البلطجية, يقول: شوفوا لنا حلا. نحن نذهب للبحيرة, ولا نضمن العودة منها لأولادنا سالمين.

لا يمر يوم إلا وتكون هناك حادثة لإطلاق النار علي الصيادين يقول أحمد محمد فايد مضيفا: اليوم فقط تعرضت لإطلاق النار بعد الفجر عند حوشة العفايفة بالبحيرة.

أعمل وشقيقي علي فلوكة, والمشكلة أننا كصيادين نتزاحم في منطقة ضيقة من البحيرة هي المسموح لنا فيها بالصيد, هكذا يقول عوض ابراهيم مصطفي, بينما يقول أحمد حميد( حاصل علي ليسانس آداب): لو فضلت البحيرة بالشكل ده مش هنلاقي بحيرة.. هل نشتري بنادق ونعمل بلطجية؟!

وبحسب تقديرات الصيادين لم يعد متاحا للصيد الحر سوي عشرة آلاف فدان فقط من البحيرة, لذا يحذر حسن محمد الملهاط المحامي من أن ارتفاع معدلات جرائم القتل والشروع في القتل والسرقات بالإكراه داخل البحيرة ترتب عليها تشرد الصيادين داخل البلاد وخارجها, وتعرض الكثيرين منهم للقرصنة والغرق والقتل, مع ظهور طبقة جديدة من أصحاب الأملاك أو الاقطاعيين الجدد, وسندهم في ذلك البلطجية.

صانعة البلطجية وقلعة الإخوان

في كثير من حوادث البلطجة داخل البحيرة وجه الأهالي أصابع الاتهام الي قرية الشبول, باعتبار أنها المصدر الرئيسي لتصدير البلطجية للبحيرة. قامت تحقيقات الأهرام بزيارة القرية ليلا, أصابنا الرعب من الطريق الذي لم يكن أحد سوانا يسير فيه بسيارته.. قيل لنا إن هناك عمليات سلب ونهب تعرض لها بعض المارة به في الليل.
لكن علي علي منصور وكيل معهد أزهري فتيات الشبول ـ التي يقطنها عشرون ألف نسمة ـ يؤكد أن النظام السابق, هو الذي أطلق هذه الشائعة علي القرية, لانها كانت ضده دوما, ولم يكن يستطيع تزوير الانتخابات فيها بسبب قوة الإخوان فيها, كما يؤكد, مستدلا علي ذلك بوجود 28مسجدا في القرية, وأن أهلها يميلون للتدين, وأنها خرجت علماء ودعاة كثيرين, منهم الدكتور أحمد النقيب الداعية المشهور, وعبدالستار الحلوجي الحائز جائزة الملك فيصل في الآداب.

هذا الوضع أزعج السلطات ـ كما يقول ـ فاستقطبت البلطجية من أبناء القرية, وعددهم لايزيد علي خمسين بحسب تقديره, لاستغلالهم في الإساءة للقرية.

القيادي الإخواني يشير أيضا الي تلفيق حوادث سرقة وقتل كثيرة الي أهالي الشبول, وهم منها براء, ونظرا لأن أهالي الشبول أنفسهم يعانون من تردي الوضع الأمني في قريتهم, فقد طالبوا أجهزة الأمن بالقبض علي بلطجية القرية, وهم معروفون لديهم, لكنهم رفضوا, وقالوا: عندنا تعليمات بعدم نزول الشبول.

والأمر هكذا, يطالب القيادي بالتركيز علي التوعية والتعليم, لا سيما انه لا توجد في القرية سوي مدرسة واحدة هي الابتدائية, بفترتين وكثافة فصل 80تلميذا, مع أن هناك ثلاث قطع من الأراضي جاهزة لإنشاء مدارس, وقطعة أخري لإنشاء قسم شرطة خاص للقرية.

عائدون من ليبيا

نتيجة التعديات التي تحاصر بحيرة المنزلة اضطر عدد كبير من صياديها الي الهجرة الي ليبيا من أجل العمل, لكن اندلاع الثورة الليبية يوم 17فبراير الماضي, وما أسفرت عنه من مواجهات دامية بين الثوار وكتائب القذافي, اضطر هؤلاء الي العودة للمطرية, وتعدادهم نحو عشرين ألفا, إذ يعانون من البطالة حاليا, بعد أن أخفقوا في الصيد بالبحيرة.

محمد صلاح السويركي(35سنة) متزوج ولديه4 أبناء, اضطر لبيع أثاث منزله من أجل تدبير نفقات السفر الي ليبيا حيث عمل هناك منذ عام  2005علي فلوكة تتبع ليبيين, ومع اندلاع الثورة الليبية حوصر في طرابلس أسبوعا, وضاع متاعه في مطارها, ولم يحصل علي مستحقاته, قبل أن يتمكن من العودة الي مصر أول مارس الماضي.

,الحلقة المقبلة سموم في شرايين المنزلة!]

abdelrahmansd@gmail.com

المصدر : الأهرام
التاريخ:  الأثنين 3 من شعبان 1432 هـ   4 يوليو 2011 السنة 135 العدد 45500 
 الرابط: http://www.ahram.org.eg/Investigations/News/87370.aspx
  

تعليقات القراء
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد