بقلم: عبدالرحمن سعد- مرّ قوم على عابد في صومعته ، فسألوه: متى عيد أهل هذه القرية؟ فقال: "يوم يُغفر لأهلها".. قصة وردت في كتب الأثر توضح أن العيد الحقيقي للمسلمين يوم يُغفر لهم، فكيف يتم ذلك وحالهم على ما هو عليه من أنهار مترعة بالأحزان والآلآم في كثير من بقاع العالم؟
لم يكن من قبيل المفاجأة ما صرح به الشيخ محمد الغزالي قبل وفاته بسنوات - رحمه الله - من أنه: "لا عيد للمسلمين، بينما إخوانهم يُعانون في فلسطين وكشمير.. إلخ".
فعندما يستقيم المسلمون على الإيمان ومقتضياته لا يقبلون التفريط في مقتضيات الاخوة الإيمانية، ووظائف الجسد الواحد، والشعور الجَمعي بالسعادة أو الألم.
قال الله تعالى: "إنما المؤمنون أخوة".. وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
إن الإسلام يظهره المؤمن والمنافق، والبر والفاجر، لكن الإيمان مستوى أعمق، وتقدير أبعد للمتاعب التي يعاني منها إخوة العقيدة، بل وإخوة الإنسانية، وشركاء العيش المشترك، في الوطن الواحد.
نعم.. جعل الله عز وجعل أيام الأضحى (أيام التشريق)-: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل"، كما جاء على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه الإمام مسلم - رحمه الله - فليست - إذن- "أيام أكل وشرب" فقط.. كما ننظر إليها، أو نتعامل معها،.. بل: "وذكر الله عز وجل".
وفي هذا إشارة إلى أن حاجات الجسد في الأعياد يُستعان بها على ذكر الله تعالى وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة، وهو أن يُستعان بها على الطاعات، فمن استعان بنعم الله على معاصيه؛ كَفَر بنعمة الله، وبدلها كُفرًا، وبالتالي صار جديرا بأن يُسلبها.
وقد قيل: "إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم.. وداوم عليها بشكر الإله فشكر الإله يزيل النقم".
........................
لقد كانت المواسم الكبرى وأيام الأعياد، على مدار التاريخ، مناسبات عظيمة لتعبئة المسلمين، وحشد قواهم ومشاعرهم، في البناء والنهضة، والتصدي للمعتدين والغزاة، فلم تقف حائلاً دون استمرار روح الجهاد والعمل التراكمي البناء في الأمة حتى أصبحت محلاً لتسجيل أروع الانتصارات، وتحقيق أعظم الإنجازات.
والأمر هكذا: يجب أن نتخذ من مناسبة العيد فرصة لمراجعة النفس والمجتمع، وتصحيح الأوضاع والمفاهيم، وبداية التحرك لمواجهة التحديات، وما أكثرها، وفي مقدمة ذلك: التصدي لفقر المشاعر والسلوك، وفقر القيم والأخلاق، وفقر العلم والعمل، وفقر الجهد والمعونة، وفقر التأثر والتأثير، وأخيرًا: فقر التغير والتغيير.
يقول أديب العربية مصطفى صادق الرافعي: "ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأن الأيام تتغير.. فيكون يوم العيد يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع".
ويضيف: "ليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تُوجِه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وُضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة.. فتنشيء لنفسها أيامًا، يقود كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر". (من وحي القلم).
إنها دعوة إلى أن نستبصر هذا المعنى الكريم، وأن نخرجه بأفعالنا شَهدًا لأمتنا، تحلو به أعيادها، وتسعد به أيامها.. ليس فقط في العيد، وإنما في كل أيامها، ما دامت في طاعة الله، خاصة في هذه الأيام الطيبة، حيث الثورة الشاملة، التي تؤسس لنهضة كاملة، في منطقتنا العربية والإسلامية.. بإذن الله.
المصدر : الأهرام
التارخ: الجمعة 08من ذى الحجة 1432 هـ 4 نوفمبر 2011 السنة 136 العدد 45623
الرابط:
http://www.ahram.org.eg/Free-Opinions/News/110879.aspx