تحقيق‏:‏عبدالرحمن سعد- بعد أن أدت اليمين‏,‏ تبحث حكومة الدكتور كمال الجنزوري عن مشروعات سريعة لإنعاش الاقتصاد الوطني‏,‏ وتشغيل مئات الآلآف من المواطنين‏,‏ خلال الفترة الانتقالية التي تحكم فيها‏، ليأتيها الحل عبر بنوك أفكار تأسس معظمها بعد الثورة,واستمدت منها الحكومة السابقة للدكتور عصام شرف مشروعات كبري; خاصة مخطط تنمية سيناء, وتطوير الممر المائي لقناة السويس, وحل مشكلة تراكم القمامة.

هذا التحقيق يحاول أن يرصد هذه البنوك, ومدي اهتمام شباب الثورة والمجتمع بها, وكيف يمكن الاستفادة منها في دعم الاقتصاد الوطني, كما يستطلع آراء الخبراء والباحثين والمسئولين, في كيفية تفعيلها, واستخدامها قاطرة للتنمية, في المرحلة الراهنة.. علي الأقل.

وتمثل الأفكار التنوية الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينهض بمصر الثورة, لذا يتزايد عدد بنوك الأفكار في مصر باستمرار حاليا; حتي بلغ نحو مائة بنك.. يتخذ غالبيتها من موقع التواصل الاجتماعي افيس بوكب مرفأ له, وإن كان معظمها يعاني من عدم اهتمام ائتلافات الثورة به, وانعدام الدعم الحكومي, فضلا عن المعاناة من البيروقراطية, وضعف الإرادة السياسية.

ولأن الثورة لن تصل إلي كل بيت إلا إذا تحسنت أحوال المواطنين; يدعو الخبراء- في هذا التحقيق- الحكومة الجديدة إلي التوسع في إنشاء بنوك الأفكار, وتبني حاضنات أعمالها; بهدف تحويلها إلي مشروعات إنتاجية, في ظل وجود جميعة أهلية وحيدة مرخصة, وبنك حكومي يتيم يتبع مجلس الوزراء, ونحو عشرة ائتلافات ثورية فقط, من بين أكثر من مائة ائتلاف, فيما تتناثر الجهود الفردية هنا وهناك, في انتظار صهرها ببوتقة واحدة.

جميعة الأفكار

في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية تتواجد جمعية الأفكار الجديدة.. جمعية أهلية مرخصة منذ يونيو..2009 تلقت منذ إنشائها نحو30 ألف فكرة ما بين اختراعات وأفكار في شتي المجالات, وأصبح لديها صفحة علي الفيس بوك, يبلغ عدد أعضائها13 ألفا و500 عضو.

الجمعية أطلقت في العام الماضي احملة الأفكار الجديدة, وبالمشروع القومي للتفكير, وعقدت مؤتمرها في فبراير الماضي بحضور150 مخترعا ومبتكرا, تحت إشراف لجنة علمية خاصة.. أنشأ الجمعية الصحفي خالد زنون.. الذي يبلغ من العمر36 ربيعا..ويعبر عن آماله العريضة في أن تفوز جمعيته بجائزة نوبل.

بنك المبادرات

علي الرغم من أن دول جنوب شرق آسيا صنعت نهضتها من بوابة بنك الأفكار; إلا أنه لا يتواجد بمصر هذا البنك في أي مؤسسة حكومية. والبنك الحكومي الوحيد موجود حاليا في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء, وتم إنشاؤه بعد أن تولي الدكتور عصام شرف رئاسة الحكومة السابقة بأربعة أسابيع فقط, وتحديدا في31 مارس الماضي, تحت مسمي زبنك الأفكار والمبادرات.

وهناك فريق عمل مختص في البنك للتعامل مع الأفكار, وتحليلها, وترتيب أولوياتها.. وكثيرا ما طلب الدكتور عصام شرف الاجتماع مع صاحب الفكرة بنفسه.. هذا ما طالعته, خلال لقائي بالدكتور محمد رمضان نائب رئيس المركز, مدير البنك, لدي إعداد هذا التحقيق, عندما تلقي مكالمة هاتفية منه, إذ طلب منه سرعة تحديد موعد للقاء الشاب شرف إمام صاحب مشروع استثمار القمامة.

وكان يتم إرسال تقرير دوري بأهم الأفكار لمجلس الوزراء السابق, ويبلغ عددها في البنك حاليا2818 فكرة, وتم بالفعل إرسال خمسين منها إلي الوزارت المختصة, وكان أبرزها مشروع محور قناة السويس الذي تبنته الحكومة السابقة, هو ومخطط تنمية سيناء.

ويعتبر الدكتور محمد رمضان البنك بيتا لأفكار المصريين, وكتابا لوصف مصر بالمعلومات, وجسرا بين عقول المواطنين ومتخذي القرار, مشددا علي أنه زمنهج تفكير, وسلوك تنمويس. ويقول: سجعلني البنك أري خريطة مصر بشكل مختلف.. فمصر تتمتع بميزات غير موجودة في العالم, كما أن كل جزء منها ينطوي علي ثروات بلا حدود.

ائتلاف شباب الثورة

نحو عشرة ائتلافات شبابية فقط هي التي تهتم بملف الاقتصاد, وتتعاون مع البنك الحكومي, من بين أكثر من مائة ائتلاف.. زائتلاف شباب الثورة لدعم الاقتصادس يمثل أحد الائتلافات العشرة..المؤسسون له أربعة شباب, أسسوه أواخر مارس الماضي( بعد الثورة), وصمموا له صفحة علي الفيس بوك, وهم يعقدون اجتماعات وحلقات عمل مرتين أسبوعيا.

ثلاثون فكرة تنموية يتبناها الائتلاف حاليا, بحسب تأكيدات عضوه محمد محمود نمر مدير إدارة التحليل المالي والموازنة بإحدي شركات البترول..يقول: بنتعامل مع الأفكار القابلة للتطبيق, ومعنا خبراء متطوعون يعاونوننا, وتتويجا لمجهودنا توجهنا ببحث لبنك الأفكار بمجلس الوزراء حول تخفيض دعم المواد الترولية بما يوفر30 مليار جنيه سنويا لخزينة الدولة.

البحث يقع في خمسمائة صفحة, ويستهدف في مرحلته الأولي تحويل أتوبيسات النقل العام من العمل بالوقود المدعم إلي الغاز الطبيعي خلال فترة تمتد من ثلاث إلي خمس سنوات, دون تأثير علي محدودي الدخل, وبما يوفر المبلغ المذكور.

اتم عمل حلقة عمل للمشروع, وتقرر تحويله في أبريل الماضي إلي وزارة الماليةب.. الكلام لمحمد محمود نمر. ويضيف: بقابلنا وكيل الوزارة, فقال إنه سيتم إحالة البحث إلي خمس لجان لتبحثه.. لكن سبعة أشهر مرت دون أن يطرأ جديد.

نهضة مصر

وعلي صعيدهم يعاني أصحاب الأفكار من عدم اهتمام حكومات الثورة بهم.

حمادة أنور عبد الموجود نموذج لباحث مصري طموح.. جمع أفكاره في كتيب بعنوان زنهضة مصرس ويحتوي علي أفكار كفيلة بالإسهام في ذلك, كما يقول, وقد تبناها جميعا بنك الأفكار بمركز معلومات مجلس الوزراء, ويأمل حمادة في أن تأخذ دفعة قوية من اهتمام الحكومة الجديدة.

وأبرز أفكاره زمشروع شلالات سيناءس ويعتمد علي سحب المياه من البحر الأحمر, ورفعها إلي أعلي قمم جبال خليج العقبة, وخليج السويس, بحيث تنهمر إلي أسفل مرة ثانية, فتتولد طاقة كهرو مائية نظيفة رخيصة الثمنس. يري حمادة أن هذه الطاقة كفيلة بتنمية سيناء صناعيا وزراعيا, وتسمح بإقامة مناطق سياحية عملاقة حول الشلالات, وعمل تلفريك سياحي بينها وبين سلاسل الجبال, وكذلك إنشاء مركز عالمي لتخزين منتجات الدول الصناعية.

والفكرة الثانية لحمادة تتمثل في إنشاء دلتا جديدة بالصحراء الغربية من خلال زراعة أشجار زالجيتروفاس التي يستخرج من ثمارها زيت زبيوديزلس البديل للبترول, وذلك باستخدام مياه الصرف الصحي التي يتم إلقاؤها في شاطئ البحر المتوسط في المنطقة من الإسكندرية إلي بورسعيد.

يقول: سهذه المخلفات تقدر بعشرة مليارات متر مكعب سنويا, ويمكن أن تكون سببا في غرق الدلتا بمياه البحر المتوسط, لكن فكرتي هي استغلالها في إنشاء غابة ضخمة تكون بمثابة دلتا جديدة, تسمح بإنتاج الأخشاب في الصحراء الغربية بكميات هائلة, دون أن تتكلف الدولة شيئا سوي مد شبكة مياه الصرف الصحي والزراعي إلي تلك المنطقة.

مقاومة الاحتلال الفكري

نموذج ثان للشاب المصري الواعد يجسده الباحث والمخترع محمد محمد عبد الصمد..عمره28 سنة, وهو حاصل علي بكالوريوس نظم معلومات إدارية من جامعة الإسكندرية, وأتم دراسته العليا في جامعة ديجون الفرنسية لتنمية الفكر الإبداعي, ونال جائزة رواد الأعمال العرب عام2011 من جامعة الدول العربية, وذهبية الأمم المتحدة في عام.2009 والأهم أنه صاحب برونزية العالم للمخترعين العباقرة عام2010 في سول عن اختراعه لحل مشكلة الاحتباس الحراري.

يقول محمد: انعاني في مصر من الاحتلال الفكري, وانتقاص سيادتنا في مجال العلم والأفكار, وستستمر دائرة تخلفنا كلما استمر هذا الاحتلال, لذلك يجب علي حكومات ما بعد الثورة دعم الفكر الوطني, وعدم الاستعانة بأي معونة خارجية.

الأفكار تصنع التقدم

في الخلفية يبدو الدور المؤثر لمتطوعين من قادة الرأي وخبراء الاقتصاد ممن يحاولون بجهودهم الفردية دفع قاطرة بنوك الأفكار في مصر إلي الأمام.

الدكتور محمود عمارة خبير الاقتصاد السياسي يجسد نموذجا لهؤلاء, إذ كتب سلسلة مقالات تدعو إلي إنشاء هذه البنوك, وعرض نماذج منها لمشروعات عملاقة, وطالب الحكومات المتعاقبة بتبنيها.

وبحسب قوله تعود فكرة إنشاء بنك للأفكار بمصر إلي عام1986 عندما زار علي لطفي رئيس الوزراء وقتها فرنسا..بالتقيناه كممثلين للجالية المصرية, وطرحنا عليه الفكرة باعتبارها قاطرة للتقدم..فرحب بها لكنه غادر الخكومة بعدها بستة أشهر, دون أن تري النورب. ويقول: بنحن بحاجة إلي مئات بنوك الأفكار.. في كل بيت وشارع ومصنع ومؤسسة.. لأننا نمر بظرف تاريخي يقتضي الاهتمام بسكان العشوائيات والعمال والموظفين( أكثر من ستة ملايين), علاوة علي الفئات المهمشة, ومنهم البلطجية: كيف نعيد تأهيلهم؟

يطالب الدكتور عمارة ائتلافات الثورة بتوعية المواطنين بقيمة العمل, ويقول: االثورة تعني أحوالا أفضل.. فإذا لم يجد الشعب تحسنا في أحواله فسينقلب علي الثوار, وقد يحاول التخلص منهم, كما حدث في الثورة الفرنسية..إذ لا يكفي أن تهدم نظاما قديما فاسدا, وإنما يجب أن تقيم نظامك البديل.

لا ثورة بدون اقتصاد

شبيه بالجهد التطوعي للدكتور عمارة..يعمل الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ونائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقا..مستشارا اقتصاديا متطوعا لائتلاف شباب دعم الاقتصاد, انطلاقا من إيمانه بأن امن يملك الفكرة يملك التقدمب..(فما بالنا إذا استعانت به, وبأمثاله من المتطوعين, حكومة الإنقاذ الوطني؟)

ويتابع: بعلي الشباب مسئولية جسيمة بعد الثورة في تجنب أخطاء التجارب الاقتصادية السابقة بمصر, ونحن نعول عليه, لأنه يمثل نحو54% من سكان مصر, لكنه يحتاج إلي ناصح أمين من جيلنا ليقدم الخبرة إليهب. ويشير إلي أن بعض الجامعات شكل( حاضنات أعمال), ومنها جامعة الإسكندرية التي أنشأت شركة مساهمة بمدخرات قليلة بلغت5,4 مليون جنيه, لأجل تلقي أفكار الشباب, وتطبيقها.

الآن يقتضي الأمر من الحكومة المكلفة- كما يقول- التوسع في إنشاء هذه الحاضنات علي مستوي الجامعات وكذلك في الشركات والمؤسسات المختلفة, وحتي ائتلافات الثورة نفسها, خاصة أنه تم تخصيص ملياري جنيه في الميزانية الراهنة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

استشراف المستقبل

كيف يمكن أن تستثمر الحكومة الجديدة أفكار بنوك الأفكار؟

يجيب خالد زنون بتأكيد أهمية إنشاء وزارة للأفكار الجديدة في الحكومة.. ويقر الدكتور محمد رمضان بأن المسئول الحكومي ما زال ينظر إلي الفكرة بشكل تقليدي, ويتعامل معها بتشكيل اللجان, مع أننا نعيش بعد الثورة مرحلة جديدة تحتاج إلي استجابة مختلفةب. أما الباحث حمادة أنور فيطالب بتفعيل الإرادة السياسية, وأن تضع الحكومة الوليدة الأفكار التنموية في بؤرة اهتمامهما.

في حين يقول المخترع محمد عبد الصمد: بما نطلبه كباحثين من الحكومة, ونحن نعرف ضعف إمكاناتها, هو التمويل الخدمي, وأقصد به مساعدتنا في تنفيذ النماذج الأولي فقط لابتكاراتناب..ويقترح تشكيل مجلس علماء, وأن تتبني شركات الاتصالات كل سنة عددا من الأفكار التنموية, وأن تعمل علي تنفيذها.

والشيء بالشيء يذكر, يسوق عادل حسين (عضو ائتلاف دعم الاقتصاد) ملحوظة مفادها أنه زعندما حدث صدام بين العسكر والحكومة في تركيا انحاز الشعب إلي الحكومة لأنها حققت له النجاح الاقتصادي.. مما يعني أن الاقتصاد الناجح يمثل صمام أمان وضمانة بقاء أي حكومة

المصدر : الأهرام
التاريخ : الثلاثاء 18 من المحرم 1433هـ   13 ديسمبر 2011 السنة 136 العدد 45662
الرابط:
http://www.ahram.org.eg/Investigations/News/118403.aspx