تحقيق - عبد الرحمن سعد:ماذا يجري في ميدان التحرير ليلا ؟ ومن الباقون فيه حاليا بعد دعوة مجلس أمناء الثورة إلي تعليق الاعتصام به, وإعلان عدد من الكيانات الشبابية والسياسية تعليق اعتصامها بالفعل ؟ وماذا يريد هؤلاء الباقون من المعتصمين؟
ولماذا يصرون علي استمرار غلق الميدان أمام حركة المرور, برغم تناقص عددهم إلي مئات قليلة ؟
أسئلة تترد أصداؤها في الشارع المصري حاليا, ويحاول هذا التحقيق الإجابة عنها, من خلال رصد ما يجري في الميدان, من خلال ليلة كاملة قضيناها وسط المتواجدين بالميدان بعد انتهاء جمعة حق الشهيد.
من يزور الميدان ير أنه بات أسير فوضي عارمة: فكرية, وتنظيمية, وصار يئن من انتشار الباعة الجائلين, والمقاهي, كما يشهد حالة من انقسام آراء المتظاهرين.
لم يكن أكثر الثوار تشاؤما يتوقع أن يصل حال الميدان( مهد الثورة) إلي ما آل إليه.أنا متأخرة علي شغلي بسببهم.. كده ما ينفعش, والميدان أصبح زريبة.. هكذا قالت إحدي الموظفات بمجمع التحرير, بعد أن أبدت تأففها من توقيف عناصرتأمين الميدان لها صباح أمس السبت, عند المتحف المصري.
ذلك الصباح استيقظ التحرير علي مشهد إمساك تلك العناصر ببلطجي يحمل مطواة, وقف لتفتيش الناس, وهو مبرشم!
افتحوا الطريق
لكن المحتجين أنفسهم لم يتمكنوا من السيطرة علي خلافاتهم, وانتهي بعضها بعنف لفظي, والبعض الآخر بمشاجرات بدنية.. نتيجة الاختلاف حول: نغلق الميدان أم نفتحه؟
عددنا قليل ..لابد ان نستوعب هذا المشكلة بيننا ليست في الاختلاف, إنما في تشبث كل منا برأيه..لذلك لابد من الاكتفاء في الاعتصام بأن نتواجد في صينية الميدان, وأمام المجمع.. مع فتح الطريق للمرور حتي لا نتحول إلي غوغائيين.. في نظر الرأي العام.. الكلام لأسماء الحضري( معتصمة).
للأسف الميدان باظ.. وما ينفعش نخرج منه متهانين زي كل مرة.. يبقي نخرج هذه المرة منه ورأسنا مرفوعة.. نحدد مطالب, وإذا لم ينفذها المجلس( العسكري) نعود يوم25 يناير.
هكذا يقول محمد سامي( معتصم), مضيفا: يجب أن نستغل هذه الفترة كثوار في عمل مسيرات شعبية, وتوعية سياسية, والحشد ل25 يناير المقبل.
وضع محزن
أحمد عوض من ثوار25 يناير.. يأتي إلي الميدان يوميا.. يتجول فيه ثلاث أو أربع ساعات.. يقول لتحقيقات الأهرام: كانت الشمس تشرق علينا كل يوم هنا أيام الثورة.. كنا نستودعه آمالنا.. الآن أصبح الوضع محزنا.
ويشير لي- من طرف خفي- إلي بالوعة علي طرف مجمع التحرير ناحية الجامعة الأمريكية. ويقول: هنا مخزن للمولوتوف. ويتابع:70% من المتواجدين في الميدان حاليا ليسوا من الثوار, بل فيهم بلطجية ومسجلون خطر. ويكشف: بيع المخدرات موجود هنا.
المستوي الفكري للحضور ضعيف بحسب رأي أحمد عوض.. والبلاغات عن السرقات زادت حتي وصلت إلي30 بلاغا في اليوم.. سواء سرقة حافظة نقود أو جهاز كمبيوتر أو هاتف محمول.. الرابح الأكبر من هذا الوضع: الباعة الجائلون.
3 قضايا آداب
أم محمود( مطلقة) تقول إنها من ثوار25 يناير لكن لديها مشكلات مع مطلقها الذي لا ينفق علي ولديهما( محمد ومحمود).. وتضيف أنها تعمل مضيفة في فندق.
وتتابع: لفقت لي ثلاث قضايا آداب.. واحدة قبل الثورة وإثنتان بعدها.. اتهموني بالتحريض علي الفسق لكن ورقي نظيف.
وتضيف: أجئ للميدان, ومعي الطفلان,.. أحب متابعة أحوال البلد, والإسهام في أي عمل تطوعي.. وكل ما أريده مصدر رزق.
هبة -محامية(كانت تدخن بشراهة علي الرصيف في مواجهة مجلس الوزراء).. تقول إنها معتصمة لأنها تطالب بمجلس رئاسي, وتأجيل الانتخابات, ورحيل المجلس العسكري, وإلغاء قانون الطوارئ.. وإجراء انتخابات جديدة.
أنا علماني
بين المحتجين الذين يحاصرون مجلس الوزراء, تواجد المهندس الاستشاري مازن مصطفي في وقت متأخر من الليل.
أنا مصراوي.. ليبرالي.. علماني.. هكذا قال ل تحقيقات الأهرام, كاشفا عن أنه ظل يقدم الدعم دوما للمعتصمين.. ثم أخذ يطالهبم بالصمود, وعدم إخلاء المكان, ولا الميدان, إلي أن يتم تسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني, وحكومة إنقاذ وطني, بحسب تعبيره.
عزة سليمان كاتبة ليبرالية وباحثة في الحضارة المصرية تذهب يوميا من أجل مؤازرة المحتجين.. تقول: إذا كان لدي الدكتور الجنزوري حقا- صلاحيات واسعة.. فلماذا لا يفرج عن المحكوم عليهم بأحكام عسكرية من الثوار؟
وتضيف أن الذين يبيتون في الميدان هم الذين يعبرون عن نبض الشارع.
إسلامي مستقل
في المقابل تواجد الشيخ عبدالباسط الفشني( من الفشن ببني سويف) الذي وصف نفسه بأنه إسلامي مستقل.. شارك في الثورة.. ويقول إنه معتصم في الميدان, متأسيا بسيدنا يوسف الذي صبر سبع سنوات عجاف, وإن الثورة لم تؤت ثمارها, والسبب ذنوب اقترفناها بأنفسنا في الميدان, كالاختلاط, والتبرج.
ويضيف: أنظف ثورة هي الثورة اليمنية, ويضايقني في الاعتصام الفتيات المدخنات, ومناظر الحبيبة, ونحاول دعوتهم للهداية.. وأنا هنا أؤذن وأصلي بالمصلين ونحرص علي قيام الليل.
ويقسم بالله ثلاثا: شممت رائحة الجنة في شارع محمد محمود, ويتابع: الليبراليون هنا كثيرون.. لكن كل حزب بما لديهم فرحون, مضيفا: أؤيد الجنزوري, وحكومته,, والبرلمان والانتخابات, لكنني ضد المجلس العسكري, ويا ريت رسالتنا تصل للعالم كله.
سلفي ضد العهر
أما وليد( معتصم) فيقول إنه مع الاستمرار في الاعتصام بالميدان كأداة للضغط علي المجلس العسكري, لكن يجب تقليص مساحة اعتصامنا نظرا لقلة عددنا.. وأنا سلفي, وبرغم فوز السلفيين في الانتخابات, أعتبرها عهرا سياسيا.. لأنه لابد من عمل دستور أولا, والثورة تجب ما قبلها.
أحمد فتحي( من كفر الشيخ) معتصم منذ أسبوع في الميدان, وتعرض للفصل من عمله في صيانة الكمبيوتر.. يقول: جئت إلي هنا لرفع الظلم عن الناس.. لأن الله لا يرضي بالظلم, ولابد من استمرار الاعتصام والتصعيد, وتعويض المصابين.
لن أبيت
في المقابل, أعلن بعض المعتصمين ضجرهم مما يحدث في الميدان. وقال تامر( أحد المعتصمين) إنه لن يكمل ليلته فيه. وأضاف: انظر إلي الميدان..إنه فارغ.
ويؤيده في عدم استكمال الاعتصام شريف.. يقول: نحتاج كثوار إلي لملمة أفكارنا, وأن نرجع إلي ثكناتنا.. لأن الثورة تحتاج إلي إحياء من جديد, وميدان التحرير أصبح سوقا.
وبينما يشير سامح عبدالعزيز إلي أن عدد المعتصمين يقل يوما عن يوم, تدعو وفاء زكي إلي استمرار الشباب في الميدان كأداة للضغط علي المجلس العسكري.
تحريرو مينيا
تعليقا علي المشهد, يقول اللواء أركان حرب الدكتور عبد الحميد عمران المحلل الاستراتيجي: اختلطت الأمور علي كثير من المعتصمين بالميدان, فلم يعودوا يدركون أن ميدان التحرير جزء صغير من مصر, وأن الانتخابات الآن تعبر عن كل شعب مصر, وأن الميدان تخلي عن دوره وانتهي, وأصبح مكان التعبير الطبيعي عن المطالب هو مجلس الشعب المنتخب, وليس الميدان, وإذا ما احتاج المواطنون الشرفاء إلي الاحتشاد فيه مرة أخري فهو موجود, لكنه أبدا لن يكون أحد مكونات حياتنا اليومية أو ثوابتها.
ويضيف: استمرار تمسك البعض باللجوء إلي ميدان التحرير كلما عنت له مشكلة هو من أعراض المرض العقلي المسمي تحريرومينيا أي هوس التحرير الذي ظهر اخيرا علي البعض.. فمتي يبرأ هذا البعض منه ؟
ويتساءل: من الذي يتخفي وراء الموجودين بميدان التحرير, ويحرك بعضهم كلما أوشكت أمور الوطن علي الاستقرار ؟
المصدر : الأهرام
التاريخ : الأحد 9 من المحرم 1433هــ 4 ديسمبر 2011 السنة 136 العدد: 45653
الرابط:
http://www.ahram.org.eg/Investigations/News/116661.aspx