بقلم: عبدالرحمن سعد- كان وجود "تيار أساسي" بين ملايين المصريين الذين فجروا ثورة 25 يناير سببا رئيسا لنجاحها في إزالة النظام السابق، إذ تداعى المصريون من شتى التوجهات الفكرية والسياسية والأيديولوجية واضعين نصب أعينهم هدفا واحدا استمسكوا به طيلة الوقت؛ ألا وهو: "الشعب يريد إسقاط النظام".
ويعني وجود "تيار أساسي" لبلد ما - كما ذكر المستشار طارق البشري في كتابه "نحو تيار أساسي للأمة"- الملامح العامة المُتضمنة في أطروحات تيارات عدة ومتنوعة، التي تختزل ما تتفق عليه هذه التيارات من قواسم مشتركة في سياق تعاطيها مع متطلبات المرحلة التاريخية".
لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، إذ وقع الانقسام بين شركاء الثورة سريعا، واتسع الخرق على الراتق، واستغل المغرضون في الداخل والخارج هذه الثغرة في محاولة لإفشال الثورة، وبث الفرقة بين أطيافها، فرأينا تأجيجا للهيب الاستقطاب بين الثوار والمجلس العسكري، وبين الإسلاميين والأقباط، وبين الإسلاميين أنفسهم: إخوان وسلفيين، وبين الإسلاميين والليبراليين، وحتى بين الليبراليين أنفسهم (الوفد والكتلة المصرية كمثال).
ولأن الانتخابات البرلمانية - التي انتهت لتوها - قدمت لنا فرصة ثمينة للم الشمل، وشد اللُحمة، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو: ألم يئن الأوان لكي ننتهز هذه اللحظة التاريخية، خاصة أننا نحتفل بمرور عام على الثورة، في بعث هذا التيار بين أطياف المجتمع، باعتباره سبيل الخلاص الوحيد، بعد أن تشرذم الثوار، وتشظى المشهد الثوري، وحل الخلاف محل التوافق، وبدأت مرحلة من "التيه" الثوري.. لم توقفها نسبيا سوى هذه الانتخابات؟
أم نضيع الفرصة كما أضعناها بعد ثورة 1919، وفي عام 1951، عندما فشلنا في الدمج بين محاور الوطنية والاستقلال والديمقراطية والمرجعية الإسلامية والعدالة الاجتماعية، التي رفعتها جميعا قوى المجتمع وقتها - كل على طريقته -: الوفد (الليبرالي)، والإخوان (إسلاميو المرجعية)، والاشتراكيون، وغيرهم من القوى الوطنية؟
إن الهدف الذي لابد من أن يُجمع عليه المصريون، إسلاميين وغير إسلاميين، في هذه اللحظة التاريخية – كما يقول الكاتب عبدالفتاح ماضي- هو بناء مصر القوية في شتى المجالات، ولتحقيق ذلك يجب توافق قوى الثورة على مسار واحد لما تبقى من المرحلة الانتقالية، وبناء جسور من الثقة، والدخول في ائتلافات على أرضية مشتركة هي المصلحة العامة لمصر والمصريين، واختيار المعاونين والمسؤولين على أساس معيار الكفاءة والخبرة".
يساعد على ذلك أن الثورة شكلت - بحسب الدكتور سيف الدين عبدالفتاح - رافعة للتيار الأساسي في مصر الكامن في قلب الذاكرة التاريخية والحضارية لهذا الشعب العظيم، واستنادا إلي ذلك شكلت هذه الثورة إعادة التمكين لمفاهيم الجامعية والجماعة الوطنية بكل أطيافها وتنوعاتها، وبكل امتدادها وعناصر استمرارها، وبطاقاتها وفاعلياتها".
المطلوب إذن، كما يقول فهمي هويدي في أحدث مقالاته "منكرات هذا الزمان": "أن ندق الأجراس مذكرين بأن الثورة المصرية قامت لتغيير المنكر الأكبر المتمثل في الطغيان الذي حل بالبلاد ، وأن المعروف الذي ننشده هو أن يتوافق الجميع على إقامة نظام ديمقراطي يتمتع فيه كل مواطن بحقه في الحرية، والكرامة.. الأمر الذي يعني أننا بذلك نحقق مكسبين في آن واحد: نعبئ المجتمع لصالح قضاياه الكبرى، ونحقق الإجماع الوطني الذي نفتقده".
هذه دعوة إذن - ونحن نحتفل بمرور عام على قيام الثورة - للحوار الوطني الجاد بين مختلف القوى الوطنية والائتلافات السياسية، للتوافق حول كيفية النهوض بالوطن، من خلال صنع إنسان الثورة، وبلورة مشروع وطني جامع، وإقامة دولة المؤسسات التي تستند إلى مظلة وطنية جامعة، وإلى تشكيل حكومة إنقاذ واسعة.. فعلى ذلك يتوقف مستقبل الوطن، ويتحدد الشاطئ الذي ترسو سفينته عليه.
المصدر: الأهرام
التاريخ: 12 يناير 2012
الرابط:
http://www.ahram.org.eg/Free-Opinions/News/124658.aspx