1023555   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
   
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
دراسات وتحليلات
فتش عن أكاذيب الصحافة
13/02/2013

بقلم- عبدالرحمن سعد:"الصـدق قبـل السـبق".. قاعدة أصولية في علم الصحافة تؤكد أن حق الجمهور في معرفة الحقيقة مقدم على حق الصحافة في النشر.. فالنشر الصحفي وسيلة نبيلة لغاية عظمى هي تقديم الحقائق الكاملة إلى الناس، دون تزوير أو تحوير أو تلوين أو نقص أو تلاعب أو اختلاق أو اجتزاء أو تحيز أو خلط بين الرأي والخبر، أو دمج بين المعلومة ووجهة النظر.

لكن أشباه الصحفيين، وأنصاف المحررين، ممن تسللوا إلى المهنة لو اذا في مصر، أصبحوا يفاخرون، وربما يفاجرون، بقدراتهم الشيطانية على تقديم الأخبار المزيفة، والأباطيل المصنوعة، و"الحقائق الكاذبة" (التي جرى تركيبها بشكل ملتو)، مستخفين خلف الإثارة فيها، حتى تكاد تمتلك على الناس أسماعهم وأبصارهم، فلا يدرون أنهم يُسقون السم الزعاف، والمخدر القاتل، وأنهم أصبحوا مغيبين عن الوعي السليم، والحقائق الكاملة، نتيجة التضليل الذي مُورس بحقهم، والأساليب الخبيثة التي انطلت عليهم.


أمثال هؤلاء الصحفيين مكانهم المصحات النفسية، والسجون التهذيبية، من أجل العقاب بالتقويم، بعد ما خربت نفوسهم، وماتت ضمائرهم، وأصبحوا وبالا على الوطن والشعب، فهم مصابون بداء عضال، لا بُرء لهم منه، وهو دس السم في العسل، باستخدام مهاراتهم في اختلاق الأحداث، وصنع الأكاذيب، و"فبركة" الأخبار، والمبالغة في الأمور، والتعامي عن العظائم، والقفز من المعلومات الناقصة إلى الاستنتاجات الخاطئة.


لكن السؤال : لماذا قد يكذب الصحفيون أصلا؟


الإجابة: للبحث عن الشهرة، والتنفيس عن الأهواء، والحصول على الأموال، وابتزاز الشرفاء، من خلال تهديدهم بالإساءة لسمعتهم، وجرح خصوصياتهم، وكشف زلاتهم، بالإضافة إلى خدمة تياراتهم الفكرية أو أيديولوجياتهم السياسية، أو أجنداتهم الخفية، أو منافعهم الخاصة، أو مصالح من يعملون لحسابهم أو يستأجرونهم..إلخ، فضلا عن عدم وجود رقابة قوية تردعهم، أو إجراءات قانونية تحول بينهم وبين الكذب. وهكذا تنطبق عليهم المقولة المأثورة : "من أمِن العقوبة أساء الأدب".


وأسوأ ما يمكن أن يترتب على الكذب الصحفي ليس فقط اقتناع بعض الناس به، وإنما خلط الوقائع والحقائق بحيث تبدو الكذبة في هذه الحالة كأنها خلاف في وجهات النظر، أو اختلاف في زوايا الرؤية، وليست كذباً صريحاً، وهنا يتحقق للكذبة شيوعها، وتكتسب قدرا من الشرعية.


أما الأداة الرئيسة في صنع الأكاذيب فهي تجريد الخبر من مصادره الحقيقية، والاعتماد على مصادر "مجهولة" تُوصف تارة بأنها عليمة أو مسئولة أو مطلعة أو موثوقة أو مقربة.. إلخ.


ومثل هذا العزو، وتلك الصيغ التجهيلية، يخلي الصحفي من مسئوليته عن تحديد المسئول عن الخبر، وهكذا تغرق صحفنا في بحار من الأخبار التي لا مسؤول عنها، فتجدها في أكثر من خبر وتقرير، بالعدد الواحد، كأنها طريقة معتمدة ومشروعة، ولا تحفظات مهنية بشأنها، أو أخطار اجتماعية تترتب عليها.


ولترويج أكاذيبهم بنعومة، يلجأ أصحاب الأخبار الكاذبة إلى إيراد أكاذيبهم في سياق من التفاصيل التي قد تكون سليمة بالفعل، والمعلومات التي ربما تكون صحيحة حقا، بُغية جذب أنظار القراء بعيدا عن الكذبة المقصودة أو الموجهة المزروعة في ثنايا الخبر.


ولاستكمال الخدعة يتم "تنسيب" الأخبار إلى "المصادر المجهولة"، في وقت يتم فيه نثر معلومات صحيحة بداخلها، بما يشي بأن الخبر صحيح، خلافا للحقيقة، والاعتماد على أنه إذا تعرض للنفي أو التكذيب فلن يصل هذا النفي أو التكذيب إلى معظم الناس الذين بلغهم الخبر في صورته الأولى، كما أنه سيكون فد رسخ في الذاكرة، بما فيه من إثارة صاخبة.


وينبغي التنبيه إلى أنه لا يعني "تجهيل المصدر" في الخبر -بالضرورة- أنه كاذب، لكنه يستوجب التعامل معه على أنه -على الأقل- خبر لا يُوثق به، ولا يُعتمد عليه، ولا يجسد الحقيقة الكاملة ، ولا الطريقة المحكمة في توصيلها.

ومن أسف أن بعض القراء لا ينزعج من مطالعة الخبر المنفي أو المكذوب، وبالتالي يشجع ذلك الصحيفة الكذوب على الاستمرار في نسج أكاذيبها، وتدريجيا تتحول بكثرة الطرق و"التخديم" عليها، إلى حقائق مُسلم بها، ثم يتبرع بعض القراء بنشرها، دون انتباه إلى ما تنطوي عليه من تدليس، وافتراء.


ومهما يكن الأمر؛ فحبل الكذب قصير، ومصير القصص "المفبركة" إلى انكشاف، وبمرور الزمن تفتقد الصحف الكاذبة ثقة القارئ، وربما تستوجب احتقاره، نتيجة لجوئها إلى هذا الكذب المتبجح، دون "لف أو دوران"، أو تكبد عناء إعادة تغليفه، بإطار يسنده من الحقائق الجزئية، أو التفاصيل الكثيرة.


إن الموضوع الصحفي المثالي هو ذلك الذي يحتوي على عناصر قوته في داخله، ودلائل ثبوته في ثناياه، ووسائل صحته بين سطوره، مُسلحا بالحُجة الراسخة، والمعلومة الدامغة، والإقناع القوي، والاستنتاج المنهجي، والأرقام الصحيحة، والفكرة الجديدة، والوسيلة المُثلى، والأهم: تقديم ما ينفع الناس، ولا يشغلهم بالباطل والزور عن حاضرهم الحق، ومستقبلهم المأمول.


المصدر: الأهرام

التاريخ: الجمعة 26 من ذى القعدة 1433 هـ 12 اكتوبر 2012 السنة 137 العدد 45966

الرابط: http://www.ahram.org.eg/1049/2012/10/12/59/176505.aspx


تعليقات القراء
  الإسم
البريد الالكترونى
  التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد