بقلم: عبدالرحمن سعد: أي شخص يزور مصر يراها أولا من نافذة الطائرة:أراضي صحراوية شاسعة، وأخرى خضراء متداخلة، مع غابات "إسمنتية"، نتيجة الاعتداء المتواصل على الأراضي الزراعية، في ظاهرة لم تعرفها مصر سوى في العقود الأخيرة. وطيلة عهد الفراعنة ظلت تبني الأهرامات والمعابد والمقابر في الصحاري القريبة من الوادي والدلتا، دون أي تداخل مع الرقعة الزراعية.
فقد خسرت مصر نحو مائة ألف فدان، من أجود أراضيها الزراعية، في السنوات الثلاث الماضية، ولم تتم إضافة فدان مستصلح واحد، إلى الرقعة الزراعية، طيلة تلك الفترة، نتيجة التعديات على الأراضي الزراعية، بعد أن بلغت نحو مليون حالة اعتداء، منذ ثورة 25 يناير.
تفقد مصر نحو ثلاثة فدادين من أجود أراضيها الزراعية في الوقت الراهن في الساعة الواحدة. ويعني فقدان فدان واحد حرمان 11 مواطنا من الطعام طيلة عام.. وهكذا، صار لدينا في مصر: فلاحون بلا أرض، وأرض بلا فلاحين.
ونتيجة الاعتداء المتواصل على أراضيها الزراعية، تقبل مصر على تصحر لا مثيل له، وتتزايد رقعة هذا العدوان، مع استمرار توتر الأوضاع السياسية.
وقد أهملت الحكومات المتعاقبة المواجهة الحاسمة مع تلك الظاهرة، فأهدرت نحو مليوني فدان من أجود الأراضي الزراعية، منذ عام 1952 حتى الآن، الأمر الذي يحتاج إلى مليون شخص -على الأقل كما يقول الخبراء- للتخلص من هذه الاعتداءات.
خطورة هذه الظاهرة أنها متزايدة مما يهدد مصر بمجاعة، ويضر الأمن الغذائي، ويضيع حق الأجيال المقبلة. وإذا استمرت فلن نجد في ظلها أرضا نزرعها، ولن تكون هناك وزارة للزراعة نحتاج إليها، وستدفع مصر فاتورة استيراد المحاصيل والسلع الغذائية بثمن يبلغ أكثر من أربعين مليار جنيه سنويا، وسيصبح حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والمحاصيل مستحيلا.
ومن أسف أنه ليس لدينا قاعدة بيانات ترصد هذه الظاهرة، ولا جهاز قومي يرصد حجمها بالأرقام والإحصاءات، كما لا يوجد جهاز رقابي يتتبعها، فضلا عن تنازع الاختصاصات بين الجهات الحكومية المختلفة.
وأسباب الاعتداء على الأراضي الزراعية كثيرة، منها ما يتعلق بالفلاح، الذي لم يعد يرى جدوى اقتصادية كبيرة لزراعة المحاصيل، فتنشأ لديه الرغبة في الربح السريع.
ومنها ما يتعلق بالحكومة، كفتور الرغبة السياسية، وضياع المسئولية بين أكثر من جهاز ووزارة، وكذلك عدم تقديم دعم حكومي للفلاح، إضافة إلى الافتقار إلى التسويق الجيد للمحاصيل، و تجاهل دور الفلاح الذي صمد: قبل، وفي أثناء، وبعد، ثورة 25 يناير 2011.
ويلاحظ المرء هنا تلك النظرة الدونية الرسمية للفلاح، فمشكلاته لا تهم أحدا، لذا ينصرف إلى حلها بطريقته الخاصة، بعد أن انتظر حلها من الحكومة، دون جدوى.
الغريب أن الحكومة تتفاخر بأن نسبة تنفيذ الإزالات من على الأراضي الزراعية تتراوح بين 8% و10% فقط من قرارات الإزالة، لكن هذه الإزالات تنتهي بالفشل، لأنه يتم إزالة جزء من التعديات، فيقوم المعتدي بإعادتها إلى ما كانت عليه!
وبجانب ذلك، هناك الاعتداء على أراضي طرح النيل، وتتورط فيها -أحيانا- أجهزة رسمية ، وليس المواطن العادي فقط.
فيما يلجا البعض إلى التحايل، ويتعمد منع وصول مياه الري إلى الأرض الزراعية، مما يؤدي إلى بوارها، ثم يقوم بستقيعها (الاحتفاظ بها) لسنوات، ثم يقوم ببيعها.. متعللا بتلك الظروف.
كما تزيد هذه الظاهرة في وقت الانتخابات، إذ يتم التنازل عن مقاضاة المخالفين، وأحيانا: عقد صلح معهم، من أجل الحصول على أصواتهم الانتخابية، لا سيما في محافظات الدلتا.
من جهته، يصدر القضاء أحكاما لا تتناسب مع حجم الجريمة، برغم أنها لا تمس فردا، ولا فردين، وإنما تمس الشعب المصري كله، بحرمانه من طعامه، وغذائه، في جريمة لا تسقط بالتقادم، وتحتاج في تشديد عقوباتها إلى وضع آليات للتنفيذ.
والأمر هكذا، نحتاج إلى مشروع وطني لمواجهة ظاهرة الاعتداء على الأراضي الزراعية، بما يقتضيه ذلك من إصلاح المنظومة كاملة: تشريعات جديدة تلغي القديمة المتراخية والفاسدة، وشراء الدولة للمحاصيل بسعرعادل ومناسب، وتوفيرها لمقومات الإنتاج، مع منح الضبطية القضائية للمهندسين الزراعيين.
رابط المقال في الأهرام:
http://www.ahram.org.eg/News/1088/59/258337/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%AD%D8%B1%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%86%D8%BA%D9%81%D9%84-%D8%B9%D9%86%D9%87.aspx