1079203   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
ÇáÃÑÔíÝ ãÞÇá Çáíæã
عمه وتيه إلى متى؟
12/16/2016

 

بقلم: عبدالرحمن سعد

أسوأ ما تُبتلى به أمة أن تتخبط، وأن تُصاب بالحيرة والتردد، فلا يستقر لها قرار، ولا تتوحد على سبيل، ولا تهتدي إلى يقين، فتقف في مكانها "محلَّك سِرْ"، وتتبعثر طاقاتها بين طرق شتى، فلا تستخدم ما لديها، في مرتقى واحد، أو خلف هدف مشترك. إنه "العمه والتيه"، اللذين تحدث عنهما القرآن.

تكرر هذا التعبير "يعمهون" سبع مرات، في كتاب الله، مرتبطا بموارد الطغيان والسكرة والتزيين، مشيرا إلى حصول الانقطاع بالكلية عن سبيل الهدى، إذا دامت هذه الأمور في فرد أو جماعة.

وفي آية واحدة ارتبط "العمه" بالتزيين، فقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ".(النمل:4), وارتبط في آية أخرى بالسَكرة، فقال تعالى: "لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ".(الحجر:72). 

قال المفسرون: "ما حلف الله تعالى، ولا أقسم، بحياة أحد، إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: "وحياتك يا محمد"، وهذا غاية التعظيم، والتشريف. "إنهم في ضلالتهم يعمهون، وفي حيرتهم يتردّدون".

بينما ارتبط هذا التعبير "يعمهون" في خمس آيات بالطغيان، فقال تعالى: "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". (البقرة:15). وقال: "وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ".(الأنعام:110). وقال: "مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". (الأعراف: 186). 

وقال تعالى: "مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ".(يونس: 10). وقال سبحانه: "وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون:75). 

قال علماء اللغة: "العمه" من "عَمِهَ يَعْمَهُ عَمَهاً"، يقال: "عمه فلان في الأرض، عَمَهاً وعموهاً وعَمَهاناً: إذا تردد، لا يدري أين يتوجه، فهو عامه".. والعمه: "عدم الأمارات في الطريق لتدل الناس. وأرضٌ عَمْهاءُ: لا أعْلامَ بها، بحيث يتحير سالكها أشد التحير والتردد، ولا يدري أين يتوجه؟. 

فالعمه: "شدة الحيرة، والتردد، وقلة الاهتداء، بسبب عَمَى الْقَلْبِ، وفقد الحس، وظلمة البصيرة. و"يعمهون": يترددون حيارى في أودية الضلال، لا يجدون إلى المخرج منها سبيلا، فيخبطون خبط الذي عمهت عليه الطرق بأرض، لا أعلام فيها، فتحير وعمى قلبه عن أي نظر ورأي، وبرغم ذلك لا يقبل النصح، منقطعا عن الحق بالكلية". (ملتقى أهل التفسير).

تقول آية سورة البقرة: "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" (15). أي: "يزيدهم ويقويهم ويبقيهم في طغيانهم، تشبيها بمن أرخى الطّول للفرس، أو الراحلة، وبمن مدَّ الجيش. وإيثارُه على "يزيدهم" للرمز إلى أن ذلك منوطٌ بسوء اختيارهم"، وفق التفاسير.

وقريب من "العمه" حالة "التيه" التي ضربها الله تعالى على بني إسرائيل لمَّا أنجاهم من فرعون، وقادهم موسى من العبودية والذل إلى الحرية والكرامة، فعبدوا العجل، ورفضوا دخول الأرض المقدسة، وعندها: "كَتَبَ الله عليهم "التيه"، الذي اختاروه لأنفسهم منذ البداية: "قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ".(المائدة:26).

حكمة بالغة، فقد تاه القوم في الأرض.. يقال للضال عن سبيل الحق: "تائه". وكان تيههم ذلك أنهم كانوا، بحسب تفاسير، يصبحون أربعين سنة كل يوم جادين في قدر ستة فراسخ (الفرسخ قرابة ثلاثة أميال، والميل 1620 مترا، والفرسخ 5.8 كيلومتراً).

هكذا كانوا يمسون في الموضع الذي ابتدءوا السير منه، وقُدِّر بما يتراوح بين ثلاثين وخمسة وثلاثين كيلومتراً. "لا يهتدون إلى طريق، ولا يبقون مطمئنين"، وفق "السعدي".

قال ابن كثير: "لَمَّا دَعَا عَلَيْهِمْ مُوسَى، حِين نَكَلُوا عَنْ الْجِهَاد، حَكَمَ اللَّه بِتَحْرِيمِ دُخُولهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة، فَوَقَعُوا فِي التِّيه يَسِيرُونَ لَا يَهْتَدُونَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، وَفِيهِ كَانَتْ أُمُور عَجِيبَة وَخَوَارِق كَثِيرَة، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاة هَارُون، ثُمَّ بَعْده بِثَلَاثَة سِنِينَ وَفَاة مُوسَى الْكَلِيم، فَلَمَّا اِنْقَضَتْ الْمُدَّة خَرَجَ بِهِمْ يُوشَع بْن نُون فَقَصَدَ بِهِمْ بَيْت الْمَقْدِس فَحَاصَرَهَا فَكَانَ فَتْحهَا يَوْم الْجُمُعَة بَعْد الْعَصْر فَلَمَّا تَضَيَّفَتْ الشَّمْس لِلْغُرُوبِ، وَخَشِيَ دُخُولَ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: "إِنَّك مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ.. اللَّهُمَّ اِحْبِسْهَا عَلَيَّ"، فَحَبَسَهَا اللَّه تَعَالَى حَتَّى فَتَحَهَا".

وَقَوْله تَعَالَى: "فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ" تَسْلِيَة لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْهُمْ، أَيْ لَا تَأْسَف وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ، فِيمَا حَكَمْت عَلَيْهِمْ بِهِ فَإِنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ"، وفق تفسير "ابن كثير".

السؤال الآن: هل نشبه أولئك القوم؟ وفي هذه الحالة: هل نتخذ القرار بالخروج مِن هذا التيه، الذي دخلنا فيه بإرادتنا منذ عقود وسنين؟، أم ندلف إلى مرحلة جديدة منه، على الرغم من أن الحل واضح، ألا وهو العودة إلى جادة الصواب، ولزوم طريق الحق؟.

abdelrahmansd@gmail.com

 




تعليقات القراء
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد