اشتبك أمس 15 ألف مواطن مع قوات الأمن بمدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج والواقعة على مسيرة خمسمائة وخمسين كيلومترا جنوب العاصمة المصرية وذلك بعد أن خرجوا في مظاهرة ضخمة اعتراضا على قرار السلطات بوقف دفن الموتى في المقابر القديمة بالمنطقة الأثرية بداية من شهر ايار/ مايو المقبل، ونقل المقابر إلى منطقة الكوثر بأخميم الجديدة.
وتحولت المدينة الى مساكن للأشباح على إثر تدفق عشرات الالآف من الشرطة التي استعانت بها السلطات المدنية لإتمام العملية وفرضت قوات الأمن سياجا أمنيا حول المدينة واشتبكت مع ما يقرب من 15 ألف متظاهر. وبسبب تزايد عدد المتظاهرين واشتباكهم مع الشرطة صدرت الأوامر للجنود بإلقاء القنابل المسيلة للدموع لتفريق الجموع الغاضبة من قرار المحافظ، بعد أن رشقوا بالحجارة مقر الحزب الوطني بالمركز، ومقر مجلس المدينة، والمستشفى المركزي، وأشعلوا النار في حافلة، وقطعوا طريق سوهاج أخميم.
وقامت الشرطة بإلقاء القبض على 250 مواطنا من المتظاهرين، وإيداع 100 مواطن منهم بمراكز ونقاط الشرطة المنتشرة في المحافظة.
وقد قام المواطنون بتحطيم سيارة أمام مطرانية الأقباط، والإعتداء على مستشفى أخميم، وقذفوا مقر المحكمة، وحطموا شبابيك مجلس المدينة مما دفع الأجهزة الأمنية للنزول للشوارع بكثافة من أجل ضبط الموقف ونجم عن ذلك ضرب المتظاهرين بالهراوات، لتفريق المتظاهرين، وتم فرض حظر التجوال على المدينة بالكامل.
ولا يعترض المتظاهرون على قرار نقل المقابر في حد ذاته، إنما يعترضون على أنهم سيستخدمون أراضي المقابر الجديدة بحق الانتفاع وليس بالتملك.
وساهم في تأجيج مشاعر المسلمين قيام السلطات باستثناء المسيحيين من قرار نقل المقابر.
وهتف المتظاهرون ضد الحزب الوطني وأعضاء مجلس الشعب.
يذكر أن المقابر الجديدة تبعد عن القديمة حوالى 20 كيلومترا، في المدينة التاريخية الأثرية التي تقع على الشاطئ الشرقي لنهر النيل.
وبحلول الساعات الأولى من يوم أمس قامت قوات الأمن في مديرية أمن سوهاج بفرض حظر التجول في مدينة أخميم، مساء الثلاثاء، وأجبرت أصحاب المحال التجارية على إغلاقها، بعد الاحتجاجات التي شهدتها المدينة بسبب قرار المحافظ وقف دفن الموتى في مدافن أخميم القديمة.
وكان اللواء محسن النعماني محافظ سوهاج قد أصدر القرار المثير للجدل والذي تضمن نقل الجبانات إلى حي الكوثر بدءا من أول مايو المقبل، وطافوا شوارع المدينة حاملين نعشا رمزيا، ومزقوا اللافتات التي وضعتها المحافظة في الشوارع لإخطارهم بنقل المدافن.
وردد المتظاهرون هتافات معادية للمحافظ ورموز الحزب الحاكم وأعضاء مجلس الشعب مما اضطر الشرطة للدخول في مواجهات مع المواطنين الغاضبين لبسط سيطرتها على المدينة بعد خمس ساعات من المظاهرة، واستعانت الشرطة بقوات تعزيز من الأمن المركزي.
وفي محاولة لإحتواء الغضب المتزايد قام محافظ سوهاج بعقد اجتماع ضم مدير أمن سوهاج اللواء أحمد خميس وجميع القيادات التنفيذية، بينما امتنع أعضاء مجلسي الشعب والشورى عن الحضور، وأكد المحافظ خلال الاجتماع بأن غلق الجبانة القديمة سيكون في نهاية شهر نيسان/ إبريل الجاري، وأن هذا الاجتماع يخص رفات أهالينا ويجب أن نتعامل معها بالشكل اللائق، ولابد من أن تكون الجبانة الجديدة متوافر بها جميع الخدمات من إنارة ومياه وارصفة وطرق، وتوفير سيارات لنقل الموتى وسيارات للمشيعين، كما يجب توفير الحراسة الأمنية اللازمة للمكان.
وأضاف المحافظ بأنه لا يوجد قانون يجعل للمواطن الأحقية فى ملكية الجبانة الخاصة به، وبالتالى يجب على المواطنين معرفة أنه لا ملكية لأحد في هذه الجبانات، بل له حق الانتفاع فقط، كما أنه لا تفرض أي ضرائب أو رسوم على هذه الجبانات، ولا مدة محددة لحق الانتفاع بها، وأن نقل جبانة أخميم القديمة إلى جبانة أخميم بحي الكوثر يحمل في جوفه أكبر كشف أثري يحدث على أرض مصر، مما دفع الرئيس مبارك لإصدار قرار بتوفير ملياري جنيه، من أجل التنقيب أسفل تلك الجبانات التي سوف تجعل أخميم، وفق الدراسات، أهم من محافظة الأقصر من ناحية النقلة الحضارية والتنموية.
وتدخلت الشرطة بعد قيام المواطنين بمحاولة رشق الحجارة على القيادات النيابية والتنفيذية وأعضاء مجلس الشعب من أهالي المحافظة دون اعتداء الأهالي على أعضاء برلمانيين، حاولوا تهدئة المتظاهرين الغاضبين، وتمكن النائب مازن أبو النور عضو مجلس الشعب من إقناع المتظاهرين بعدم الاعتداء على باقي النواب، وهو ما استجاب له الأهالي، خاصة وأن أبو النور كان من أول المحتجين على قرار النقل.
وقررت مديرية الأوقاف بسوهاج أن تكون خطبة الجمعة غداً عن حرمة مقاومة السلطات والخروج على الشرعية وتم تكليف عدد من أئمة المساجد بمركز أخميم بالحديث عن 'أزمة المقابر'، وأن يعملوا على توعية المواطنين بأهمية تسليم مقابرهم القديمة للسلطات وعدم الخروج على الشرعية.
غير أن المظاهرات الغاضبة سرعان ما اندلعت مجدداً بعد فشل اللقاء الذي عقده المحافظ مع المواطنين، والذي سعى خلاله لإقناعهم بأهمية نقل المقابر 'للنهوض بالمحافظة سياحيا، بعد التأكد من أن منطقة الجبانات القديمة، منطقة أثرية'.
واشارت المحافظة الى 'ان الجبانة الجديدة تمتاز بتوافر جميع الإمكانيات والخدمات من مياه وإنارة وسيارات للمشيعين، ولكن المشكلة تكمن في عادات وتقاليد يتبعها الأهالي منذ القدم'.
ويعتبر العديد من المواطنين تلك المنطقة مصدر رزقهم وطريقهم نحو الثراء وذلك من خلال التنقيب عن الكنوز الأثرية وينشط هناك العديد من السحرة الذين يزعمون قدرتهم الخارقة في العثور على الآثار من خلال تسخير الجان.
جريدة القدس العربي-29 أبريل 2010م