مصري مشتبه بارتكابه جريمة قتل لأربعة لبنانيين، توصلت إليه قوات الأمن اللبنانية، في أقل من 24 ساعة، ولأسباب غامضة لم تنتظر توثيق أدلة اتهامه، واصطحبته سريعا إلى القرية التي وقعت فيها الجريمة ليختطفه الأهالي الغاضبون من بين أيديها، وينهالوا عليه بالطعنات ثم يلاحقونه إلى المستشفى، حيث يجهزون عليه، ويسحلونه بالسيارة في الطرقات، ثم ينزعون ملابسه ويعلقونه كالذبيحة من رقبته في عامود كهربائي في ميدان عام، قبل أن تسترد جثمانه الأجهزة الأمنية اللبنانية!
القصة حدثت بالفعل خلال الإثنتين والسبعين ساعة الماضية، وكانت ساحتها قرية "كترمايا" جنوب شرق بيروت، واسم الشاب محمد سليم مسلم، وعمره 39 سنة، أما تفاصيل الحادث -التي أسهبت في روايتها الصحافة العربية واللبنانية اليوم الجمعة 30 أبريل 2010- فتتلخص بدايتها عندما وقعت جريمة قتل وحشية في كترمايا، أول من أمس، ذهب ضحيتها طفلتان وجدّاهما، هم: يوسف أبو مرعي وزوجته كوثر، وحفيدتاهما آمنة (9 سنوات) وزينة (7 سنوات).
القوى الأمنية اللبنانية أوقفت لاحقا الشاب المصري المشتبه فيه محمد سليم مسلم إذ دهمت منزله، واقتادته إلى مخفر شحيم، حيث بدأت بالتحقيق معه. مرّت ساعات قليلة، ثم أعلنت المصادر الأمنية أنها عثرت على سكين وملابس عليها آثار دماء داخل منزل المشتبه فيه، وبرغم التحقيق الأوّلي الذي خضع له، إلا أنه ترددت معلومات -بحسب جريدة الأخبار اللبنانية- عن أن الموقوف لم يدل بكل تفاصيل الجريمة.
وبعد تحقيق أولي معه، اقتادته عناصر من قوى الأمن الداخلي اللبناني إلى منزل الجد المغدور يوسف أبو مرعي، وما إن عمّ الخبر حتى سارع عدد كبير من أبناء البلدة إلى التجمع، وبدأوا يحثّون بعضهم على الثأر، ثم توجهوا إلى حيث كان المشتبه فيه موجوداً برفقة القوى الأمنية، ومن ثم هاجموها، وتمكنوا من الاستفراد بالشاب المصري، وانهالوا عليه ضربا وركلا ودهسا، إلى أن تمكنت قوات الأمن في النهاية من سحبه من بين أرجل الأهالي.
كان مصاباً بطعنات عدّة، والدماء تسيل من أنحاء متفرّقة من جسده، فنقلوه إلى مستشفى سبلين الحكومي لتلقّي العلاج، لكنّ الأهالي طاردوه، إذ اقتحموا المستشفى، وأخرجوه من غرفة الطوارئ حيث كان يرقد في حالة شبه غياب عن الوعي، وراحوا يصرخون :"اضربوه وارجموه حتى الموت"، وهكذا انقضّوا عليه بالطعنات، ثم نكّلوا بجثته أفظع تنكيل،وسحلوا الجسد الميت على الأرض في شوارع البلدة، ومن ثمّ وضعوه على غطاء محرّك إحدى السيارات حيث التقطوا الصور مع الجثّة قبل أن يدوروا بها في الأزقة!
وفي أعقاب ذلك نزعوا عنه ثيابه الخارجية، وغرزوا قضيبا حديديا في أعلى حلقه، ثم علّقوه على عمود كهرباء في ساحة البلدة، وترافق ذلك مع رفع الأصوات التي تردد عبارة "الله أكبر"، وزغردت النساء، وهتف الرجال: "جاء الحق وزهق الباطل، وبكترمايا ما بضيع الحق".
وهكذا، عُلّقت الجثّة وسط الساحة على مسافة أمتار قليلة من المسجد- بحسب رواية جريدة الأخبار اللبنانية- حيث تجمهر الأهالي والقتلة حول الجثّة المتدلية، بينما وقف رجال الأمن اللبناني يتفرجون، فيما حمل الكثيرون هواتفهم الخلوية ليصوّروا "الذبيحة" المعلقة!
هذه هي تفاصيل الحادث. وتبقى الإشارة إلى أن الجريمة حدثت على بعد أمتار من منزل المشتبه فيه، حيث تقيم والدته المصرية المتزوجة برياض عرابي ابن بلدة كترمايا، كما لم يعرف لماذا اقتيد إلى مسرح الجريمة بعد نقله إلى المخفر، برغم أن التحقيق لم يكن قد خُتم بعد.
كما أنه من المعلوم أن الضحية يعمل في مسلخ للأبقار بإحدى بلدات إقليم الخروب، وكذلك قيل إن الأجهزة اللبنانية تقوم بتحليل الـDNA لمقارنة دماء الضحايا ببقع الدماء الموجودة على الأدلة المضبوطة تحت إشراف القضاء المختص، وإن ظهور نتائج تحليل العيّنات المضبوطة يحتاج إلى يومين في حدّه الأدنى.(تظهر النتيجة غدا السبت).
في الوقت نفسه تناثرت الأقوال حول دوافع الجريمة فمن قائل إن المصري من ذوي السوابق، إذ أوقف منذ نحو ثلاثة أشهر بتهمة اغتصاب طفلة من البلدة، وقيل أيضا إن السبب في جريمة القتل الأولى أنه أراد الزواج من فتاة تنتمي إلى عائلة من عائلات القرية لكن أهلها رفضوه فما كان منه إلا الانتقام منهم بقتل تلك الأسرة!
اتصلت بزميلة صحفية في لبنان في محاولة لمعرفة الحقيقة والدوافع الخفية وراء الجريمتين الأولى والثانية فأكدت لي أن الشائعات والأقاويل المرسلة ما زالت سيدة الموقف، ومنها أن الشاب المصري هارب من جريمة قتل في مصر.
وفيما تستنكر الدولة اللبنانية بأعلى مستوياتها الجريمتين الأولى والثانية، وقيل إنها تجري تحقيقا داخليا في الموضوع.. يبقى التحرك على الصعيد السياسي المصري ، ولا يكفي فيه أن تطلب وزارة الخارجية المصرية بيانات وافية عن الحادث، إذ يجب التحرك على مستوى أعلى من ذلك، سواء بإرسال فريق تحقيق مصري في الحادث، أو الإسهام في كشف ملابساته وسيرة الفقيد وسلوكه، وتحديد أسرته في مصر، فضلا عن الاحتجاج الرسمي على ما حدث.
إذ لنا أن تخيل لو أن هذا الحادث في مصر، وتبدلت المواقف.. هل كان اللبنانيون سيصمتون صمت القبور كما المصريون الرسميون حاليا.
وأسئلة أخرى أوجهها إلى الحقوقيين : ماذا لو ثبتت براءة المواطن المصري.. وكيف يتم إثبات براءته أو إدانته أصلا ؟
الواقع أنه لابد من ذهاب محامين مصريين إلى لبنان، لمتابعة مدى نزاهة التحقيق، وضمان حق الفقيد في محاكمة عادلة بعد رحيله، والتأكد من عدم تلفيق الأدلة، أو تقفيل القضية بسرعة تحت ضغط الخوف من ردود أفعال أهل القرية .
وهنا سؤال آخر: سواء ثبتت براءة الشاب المصري أو إدانته: ما الموقف القانوني والشرعي لأولئك الذين قتلوه، أو شاركوا في قتله ؟ وهل لو كان لبنانيا: هل كانوا سيفعلون به مثلما فعلوا مع الشاب المصري الغريب، الذي لا يجد حاليا وليا لدمه، ولم تعودنا حكومتنا "العفنة" أن تكون ولية لدمنا أو أمرنا .. لا أحياء ولا أمواتا؟
أما على المستوى الإعلامي المصري فيجب متابعة التغطية، ومواصلة التصعيد التوعوي، فالخبر الذي تصدر الصفحات الأولى بالصحف العربية واللبنانية يوم الجمعة 30 أبريل لم يجد أي إشارة إليه في الصحف القومية المصرية.
أما المرجعيات الإسلامية في لبنان فيجب عليها استنكار الجريمة، وما واكبها من تمثيل بجثة الميت الذي نهى عنه الإسلام، خاصة أن أهالي القرية اللبنانية من السنة، فضلا عن بيان الحكم الشرعي في قتلته من أهل القرية الذي تمالئوا عليه، وأولئك الذين تابعوا مشهد التمثيل بجثمانه، وصلبه بعد وفاته من رقبته، بقلوب باردة، ومشاعر ميتة، بدعوى أن الموضوع قصاص شرعي، فهل التمثيل بجسد الميت مباح أيضا؟ وهل الاختطاف والقتل بهذه الطريقة شرعي ؟ وهل القصاص يتم قبل التحري والتثبت وحكم القضاء بالإدانة؟
أسئلة كثيرة ليتنا نطاردها في خلال الأيام المقبلة، ويحاول أن يجيب الجميع عنها، لاسيما أن ما حدث مع محمد سليم مسلم لم يحدث حتى مع الصهاينة وعملائهم من قبل أهالي القرية اللبنانية الذين يُقال إنهم قدموا 45 شهيدا في العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
عبدالرحمن سعد- الجمعة- 30 أبريل 2010- 16 جمادى آخرة 1431م.