1027626   عدد الزوار
Loading...
me@arsaad.com
 |   |   |   |   |   | 
 
  ***  اغتيـال بحيرة: دماء علـى ميـاه "المـنزلة"..التحقيق الفائز بجائزة التفوق الصحفي ج:1   ***  مغامـرة صحفيــة في أنفاق غزة   ***  الحُلم الإسلامي في "إيمانيات الدولة من وحي الثورة"   ***  حاجتنا إلى آداب سورة "الآداب"   ***  جريمة خلف المحكمة الدستورية‏   ***  عندما تذوب المسئولية
 
تحقيقات
الصناعات الإبداعية‏..‏ مستقبل جديد في مصر
05/05/2010

تحقيق عبدالرحمن سعد 
  الصناعات الإبداعية مصطلح جديد‏,‏ يقوم علي تسويق الأفكار المبتكرة‏,‏ بعد تحويلها إلي منتجات‏,‏ في جميع المجالات‏,‏ ويتحول بمقتضاه الإبداع إلي صناعة‏,‏ والفكرة إلي سلعة‏,‏ وقد بدأ يطرق أبواب الأقتصادات العالمية بقوة‏,‏ لكنه يشق طريقه ببطء في مصر حاليا‏,‏ برغم أنه يمثل منجما لمليارات الجنيهات‏,‏ تمثل نصيبا عادلا ينتظر المصريين علي المستوي العالمي‏,‏ بإبداعهم في مجالات تكنولوجيا المعلومات‏,‏ واستغلال الإمكانات والخامات المتنوعة‏,‏ لكنهم يزهدون فيه‏,‏ تاركين المجال للهنود أو الصينيين‏,‏ إما بسبب غفلة عن قدراتهم الإبداعية‏,‏ أو انشغالهم بيومهم الحاضر‏..‏ عن مستقبلهم الزاخر‏!‏

أحدث دراسة عن الصناعات الإبداعية‏,‏ صدرت قبل أيام في سلسلة عالم المعرفة‏,‏ تحت العنوان نفسه‏,‏ توضح أنها تشمل كل صناعة تقوم علي الأفكار‏,‏ في أي مجال من العلوم والفنون‏,‏ بما يعني تحويل الأفكار إلي مواد قابلة للاتجار‏,‏ وكذا استثمار الأفكار الإبداعية في صورة أقتصاد يخدم المستهلك‏,‏ الذي يتطلع دوما إلي كل جديد‏,‏ في أي مجال‏.‏ أخطر ما جاء في الدراسة أن الصناعات الإبداعية أصبحت تمثل عنصرا مهما في تكوين الأقتصادات المتقدمة‏,‏ وطبقا لأرقام عام‏2001‏ فإن صافي عوائد صناعات حقوق النشر الأمريكية‏,‏ يعادل‏7,75%‏ من إجمالي الناتج القومي الأمريكي‏.‏

والأمر مشابه في المملكة المتحدة‏,‏ التي قدر الخبراء فيها عوائد الصناعات الإبداعية بنسبة‏5%‏ من الناتج القومي‏..‏ وكلها أرقام تتزايد باطراد‏.‏

من هنا يأتي سؤال هذا التحقيق‏:‏ ما واقع الصناعات الإبداعية في مصر؟

أحلام نشأت
بالقرب من ميدان الاتحاد‏,‏ في قلب ضاحية المعادي بالقاهرة‏,‏ ينام محمد نشأت‏,‏ خريج هندسة القاهرة في عام‏1993‏ م‏,‏ محتضنا حلمه كل يوم‏,‏ بأن يري شركته الصغيرة التي كونها في مجال المالتي ميديا‏(‏ الوسائط المتعددة‏),‏ من كبري شركات العالم المصدرة لمنتجات هذه الوسائط‏.‏

مجال المالتي ميديا حسبما يقول ـ لا يحتاج إلي بنية أساسية‏..‏ وبنيته العقول فقط‏..‏ مضيفا‏:‏ لقد سبقنا الشباب الهندي‏,‏ وجعل من دولته أمة رائدة في هذا المجال‏..‏ مع أن العقلية المصرية فذة‏,‏ والعمالة الوطنية منافسة في الأسعار‏.‏

محمد الذي يعتز بكلمة تشجيع كتبها لشركته السيد جمال مبارك في أحد المؤتمرات‏,‏ يؤكد أنه لو سلك الطريق التقليدي لأصبح الآن موظفا تقليديا لكنه فضل الاستجابة لحبه الجارف للمغامرة‏,‏ والعمل الحر‏..‏ يوضح‏:‏ كانت البداية عند تخرجي في الكلية‏,‏ مع ظهور ثورة تكنولوجيا المعلومات والانترنت بمصر‏,‏ أوائل تسعينيات القرن الماضي‏..‏ شجعتني أسرتي بمنحي مائة ألف جنيه كاستثمار عائلي أبدأ به شركتي‏.‏

ويتابع لقد انجذبت الي التطبيقات والبرامج التي كانت الشركات الأجنيية الكبري مثل مايكرو سوفت وأوتو ديسك تنتجها‏,‏ بدأت النواة بأربعة‏..‏ وصل عددهم لاحقا إلي‏25‏ فردا‏..‏ واجهتنا مشكلة عدم وجود وعي بأهمية الوسائط المتعددة في الترويج للشركات المختلفة‏..‏ لكن شيئا فشيئا وبتشجيع من بعض المسئولين بدأت منتجاتنا تتوالي‏,‏ وأصبحنا تننفذ الكتالوجات الإلكترونية للشركات والهيئات والحكومات في مصر والسعودية والكويت والإمارات‏,‏ ومن ثم فزنا بجوائز عن أعمالنا الإبداعية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة‏,‏ والجمعية المصرية للإعلان‏.‏

شباب مبدعون 
  مثل محمد نشأت‏,‏ يبيت المئات بل الآلاف من الشباب المصريين وهم يحتضنون أحلامهم بقوة في كل ليلة‏,‏ خوفا من تقلبات الأيام‏,‏ وغدر الأنام‏,‏ متسلحين بالإيمان بالله‏,‏ ثم بعزائم لا تلين‏.‏

يقول محمد عيسي‏,‏ المسئول في جمعية شباب الأعمال‏,‏ وهي جمعية غير حكومية‏,‏ إن عدد اعضائها يبلغ‏460‏ عضوا‏,‏ يعمل في شركاتهم‏225‏ ألف موظف‏,‏ برغم أن عمر الجمعية ست سنوات فقط‏.‏

يقر محمد بأنه لا يعرف رقما محددا للمبلغ الإجمالي الذي يتعامل فيه هؤلاء الشباب‏,‏ وإن كان يقدر ـ بالطبع ـ بمليارات الجنيهات‏..‏ في مشروعات‏,‏ ينطبق عليها أنها‏:‏ صناعات إبداعية بإمتياز‏.‏

حقائق‏..‏ وأرقام 
  الصناعات الإبداعية تمثل تحولا رائدا من انتاج العضلات الي إنتاج المخ‏,‏ وهي تعبير قوي عن‏:‏ القيمة المضافة‏,‏ والتركيز علي الصناعات العقلية‏,‏ والأعتماد علي الفكرة المبتكرة‏,‏ وجودة المنتج‏,‏ والأسم التجاري‏.‏

هكذا يقول المهندس رأفت رضوان أمين عام الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات‏,‏ موضحا أن قيمة الأسم التجاري قد تفوق بمراحل قيمة المواد الخام في السلعة‏.‏

صناعة البرمجيات ـ كمثال يضربه المهندس رأفت رضوان لصناعة إبداعية ـ يبلغ حجمها قرابة‏600‏ مليار دولار علي المستوي العالمي بأرقام سنة‏2004‏ ـ‏2005,‏ وبتوزيع عادل فإن الشعب المصري يمثل‏1%‏ من سكان العالم‏,‏ أي أن المفروض أن يبلغ نصيبه من هذه الصناعة‏,‏ النسبة نفسها أي‏(1%)‏ من عوائدها‏,‏ وهو ما يقدر بنحو‏6‏ مليارات دولار سنويا‏,‏ غير أن الواقع يقول إن هذه الصناعة لا تحقق أكثر من‏1,5‏ مليار دولار لدينا‏,‏ أي أننا بالكاد حققنا ربع القيمة‏,‏ ومازالت أمامنا مساحة للإنتاج‏,‏ بخلاف التصدير‏,‏ تبلغ‏4,5‏ مليار دولار‏,‏ أي نحو‏26‏ مليار جنيه‏.‏

في مجال براءات الاختراع يؤكد الدكتور محسن محمود شكري القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا‏,‏ أن براءات الاختراع منجم يمكن أن يفيد الاقتصاد الوطني بمليارات الجنيهات‏,‏ مشيرا إلي أنه في الفترة من عام‏1951‏ وحتي آخر مايو‏2007‏ تم إصدار‏23‏ ألفا و‏709‏ براءات من مكتب البراءات بالاكاديمية‏,‏ لكن لم يتحول إلي منتجات واقعية‏,‏ سوي قرابة‏230‏ براءة‏,‏ لأجانب ومصريين‏,‏ بنسبة الثلثين للأجانب‏,‏ والثلث للمصريين‏!‏

ويحذر من وجود حلقة مفقودة بين نتيجة البحث العلمي‏,‏ وتحوله إلي منتج تكنولوجي‏,‏ داعيا رجال الأعمال إلي التقاط الاختراعات الواعدة‏,‏ وتحويلها إلي نماذج أولية‏,‏ ثم خطوط إنتاج قابلة للتسويق‏,‏ عبر توفير التمويل اللازم لهذه المراحل‏,‏ بالتعاون مع جهاز تنمية الابتكار والاختراع بالاكاديمية‏.‏ المنتجات ذات الصبغة الثقافية منجم آخر ـ حسب وصف المهندس رأفت رضوان‏,‏ فلدينا التاريخ الفرعوني‏,‏ ولو تخيلنا إنتاج منتج مصري بجودة جيدة‏,‏ ويعبر عن الإصالة المصرية‏,‏ وكان سعره أربعين دولارا‏,‏ واشتراه مليونا سائح من تسعة ملايين سائح يأتون إلي مصر سنويا‏,‏ كان المقابل ثمانين مليون دولار‏(‏ نحو‏450‏ مليون جنيه مصري‏)‏ تتولد من وراء هذه الصناعة فقط‏.‏

صناعة المعارض والمؤتمرات لها حجم بيزنس مرعب في العالم‏..‏ وأنظر إلي إمارة دبي ـ يقول ـ إذ يجري فيها يوميا ما بين عشرين إلي ثلاثين مؤتمرا ولقاء ومعرضا في بلد يستورد كل شيء بما فيها العمالة‏..‏ وحتي صيف دبي الرطب والحار مباع قبل بدايته‏..‏ أما نحن في مصر‏,‏ فنمتلك الشمس والهواء‏..‏ لكن حدث ولا حرج‏!‏

الصحراء الغربية الكبري لدينا ـ يضيف ـ يمكن أن تنتعش فيها سياحة السفاري فلماذا لا تكون لدينا هذه السياحة الصحراوية عالمية‏,‏ ونجني من ورائها الملايين؟

هناك أيضا الصناعات العلاجية‏,‏ هل من المنطق أن تكون لدينا هذه الثروة العملاقة من أساتذة الجامعات وخبراء الطب‏,‏ ثم لا تكون لدينا مدينة علاجية متطورة؟

هناك أيضا‏120‏ مليون شاب تحت سن البلوغ في الوطن العربي‏..‏ كل هؤلاء سيدخلون الجامعات‏..‏ عندنا اسم تجاري هو جامعة القاهرة لماذا لا نبيع هذا الاسم ؟
لدينا‏..‏ وينقصنا
حتي في الصناعات الموجودة‏,‏ يشير الدكتور مصري إلي أنه في خان الخليلي لم نصنع مبدعين‏..‏ بل هناك صنايعية فقط يتقنون صنعتهم‏,‏ لكنهم لا يبدعون إذ الابداع هو الخلق علي غير مثال‏,‏ أو إنتاج شيء ليس له نظير‏,‏ ولابد من توفر‏3‏ جيم فيه هي الجدة والجودة والجدوي‏.‏

الكلام السابق للدكتور مصري عبدالحميد حنورة أستاذ علم النفس الإبداعي ورئيس قسم علم النفس وعميد آداب المنيا السابق الذي يتابع أنه لكي نتحول إلي أمة مبدعة لابد من أن يؤمن الجميع ـ كل في موقعه ـ بأنه لا نهضة بدون إبداع وضرورة ألا تكتفي السياسة العامة بالترقيع وإصلاح العيوب‏,‏ وإنما بثورة إبداعية في كل مناحي الحياة‏.‏

تشجيع روح الابتكار بين جميع الطوائف‏,‏ أمر مهم يشدد عليه الدكتور مصري‏,‏ محذرا من أن الأسرة المصرية مطحونة‏,‏ ولا وقت لديها للإبداع‏,‏ مقترحا تحويل‏30‏ مليونا يعيشون تحت خط الفقر في الريف إلي أسر منتجة إبداعيا‏,‏ فمثلا مدينة أخميم في الصعيد مشهورة بإنتاج الحرير الطبيعي فلماذا لا نساعد كل أسرة هناك بدود القز والأدوات اللازمة لإنتاج هذا الحرير‏..‏ وفي البحيرة الفلاحون مشهورون بإنتاج البطاطس فلماذا لا نشجع القري المنتجة ونزودها بالمصانع الصغيرة التي تنتج البطاطس المجففة‏..‏ إن الفقر يمكن أن يكون دافعا للإبداع‏.‏

الإبداع الاجتماعي
بالتوازي مع ماسبق‏,‏ فإن الإبداع الاجتماعي أمر يدعو إليه الدكتور نبيل علي خبير المعلومات العالمي‏,‏ مشيرا إلي أن هذا الإبداع‏,‏ ينشد حلولا مبتكرة تنبع من الواقع المحلي‏,‏ وتقوم علي القدرات الذاتية واستغلال الموارد المحلية وتطويع التكنولوجيا لمطالب البيئة المحلية‏,‏ واقتراح أنسب البدائل التكنولوجيةلإحداثها‏,‏ من أجل تحقيق التنمية المستدامة بأقل كلفة وفي أقصر وقت ممكن وبأقصي مشاركة من أعضاء الجماعات المحلية‏.‏

كوبا سبقتنا‏!‏
يضرب الدكتور نبيل مثلا لنجاح الإبداع الاجتماعي بتجربة كوبا في محو الأمية‏:‏ عبر الاستفادة من المتعلمين الذين يعانون من البطالة‏,‏ إذ كان المعلم الجوال يذهب إلي الأسر‏,‏ فلا تقدم له إلا وجبات الغداء في مقابل ما يقدمه لها من التعليم‏,‏ وهكذا نجحت كوبا في محو أمية شعبها في وقت قياسي أقرت به منظمة اليونسكو‏,‏ وأصبحت تصدر نظامها المبتكر لمحو الأمية إلي العديد من البلدان‏!‏

ويحذر من أن مفهوم الإبداع الاجتماعي مازال غائبا عن ساحاتنا التنموية‏,‏ برغم الأهمية الشديدة له‏,‏ كما أن بيئة المجتمعات العربية مقاومة لهذا الإبداع‏,‏ بسبب تفشي المركزية‏,‏ واحتكار القرار‏,‏ وسيطرة التكنوقراط علي الكثير من مجالات التنمية المعلوماتية‏,‏ علاوة علي ضعف إسهام المنظمات الأهلية والشعبية في جهود التنمية المحلية‏,‏ ورسوخ التبعية العلمية والتكنولوجية والابداعية‏,‏ وإتباع نموذج تنموي فوقي‏(‏ يتحرك من أعلي إلي أسفل‏)‏ في حين أن الإبداع الاجتماعي ـ بحكم طبيعيته ـ يتطلب تحركا من أسفل إلي أعلي‏.‏

دعوا الزهور تتفتح
من جهته يقول الدكتور أحمد شوقي أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة الزقازيق‏,‏ والباحث الرئيسي لمشروع الرؤية المستقبلية للعلم والتكنولوجيا في مصر‏:‏ دع الزهور تتفتح‏,‏ واغترب لتقترب‏..‏ وقل ماعندك‏..‏ مضيفا‏:‏ الإبداع قابل للتنمية من أول العمر حتي آخره‏,‏ وليس سحرا لكنه سلوك قابل للتنمية‏,‏ ويشير إلي أن قياسات المهارات واكتشاف المبدعين يجب أن يدخل بشكل منهجي في المؤسسات التعليمية‏,‏ محذرا من أننا لا نعرف خطط الوزارات المختلفة للإبداع والمبدعين‏,‏ ولا توجد لدينا خطة قومية بل ما هو موجود جهود جزئية متناثرة يغيب عنها التنسيق‏,‏ وحتي لو كانت هناك خطط فنريد أن نعرف كيف يتم تنفيذها‏,‏ وما مدي كفاءتها‏.‏

والأمر هكذا‏,‏ يدعو إلي تطوير التعليم بإرساء قواعد التعلم‏.‏ مشددا علي أن عدم دعم صناعة الإبداع جريمة وأن هذا الدعم ضرورة للأمن القومي‏.‏

لقد قال محاضير محمد صانع النهضة الماليزية في زيارته الأخيرة لمصر‏:‏ حلمنا بلا حدود‏..‏ خططنا بدقة‏..‏ ونفذنا بالتزام‏.‏
لكن الحلم يتحول إلي كابوس‏..‏ إذا وقع التقصير في التنفيذ‏.‏ 

تحقيقات الأهرام/الأحد 24 يونيو 2007 /9 من جمادى الاخرة 1428 هـ
‏  

تعليقات القراء
الإسم
البريد الالكترونى
التعليق
 
     ما رأيك فى شكل الموقع ؟
  
هذا الموقع يعبر عن الآراء والأفكار الخاصة بصاحبه ولا ينحاز لأى فئة أو هيئة أو مؤسسة
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب الصحفى عبد الرحمن سعد