التساؤل السابق هو حديث الساعة في مصر حاليا، من وحي الحادثة البشعة التي لقي فيها شاب مصري بلبنان مصرعه، وتعرضه لتمثيل مروع بجثته، ما تسبب في صدمة نفسية شديدة لجموع المصريين، الذين ربطوا سريعا بين الحادث وحوادث أخرى مماثلة، وإن كانت أقل بشاعة، تعرض لها أبناؤهم في دول عربية أخرى، ما اعتبروه تراجعا في مكانة مصر بقلوب أشقائها العرب، بل وكراهيتهم لها ولهم.
فمن حوادث عودة المصريين قتلى في "توابيت" خلال الفترة الأخيرة للعهد الصدامي بالعراق، مرورا بالاعتداءات والإهانات التي تعرض لها المصريون في السودان غداة تشجيعهم لمنتخبهم الوطني في اللقاء الكروي الفاصل إلى كأس العالم مع الجزائر، وليس انتهاء بطرد المصريين بعد اعتقالهم وترحيلهم بطريقة مهينة قبل أيام من الكويت.. يطرح التساؤل نفسه بقوة.
وبينما تتعدد إجابات المصريين عن السؤال بين مَن ينحي باللائمة على أخلاق الأشقاء، أو مَن يمن عليهم ب"الفضل المصري"، أو مَن يتهم النظام المصري الحاكم بأنه السبب في تلك المشاعر السلبية التي تطاردهم أينما حلوا من العالم، من جراء مواقفه الكارثية تجاه قضايا الأمة كغزة وسوريا وإيران، وحتى في إهانته لهم داخليا، بمتاعب لا حصر لها مع التعليم والصحة ومعركة تدبير القوت اليومي.. إلخ.
المصريون أيضا يربطون بين ما حدث قبل أيام من استهانة دول حوض النيل بالشقيقة الأفريقية الكبرى، وتهديدهم لها بالتوقيع على اتفاقية توزيع مياه النيل من طرف واحد، وكذلك ما حدث من رئيس اتحادهم لكرة القدم (سمير زاهر)، من خسارة ساحقة أمام نظيره الجزائري (روراوة) على منصب نائب رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، الذي ربحه الأخير، وهو ما فسرته صحف جزائرية بأنه يرجع إلى كراهية العرب للمصريين.
في الوقت نفسه، يرى مصريون كثيرون أن من أهم أسباب كراهية العرب لهم هو وضعهم مع نظامهم السياسي في سلة واحدة، وهو النظام المتهم بأنه يحابي الإسرائيليين والأمريكيين على حساب الفلسطينيين، والعرب، مما تسبب في نفرة شديدة منه، ومن المصريين عموما حتى أطلق البعض عليهم لقب "المصرائيليون"!.
ولعل أبرز مؤشر لذلك ترحيب الرئيس المصري المريض بلقاء رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو غدا الإثنين بمصر، في وقت يتمنع فيه في لقاء الرئيس السوري، فضلا عن افتعال خصومات مع قطر، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة... إلخ.
المؤكد إذن هو تراجع المكانة المركزية لمصر في قلوب العرب، في خلال السنوات الأخيرة، وذلك بحكم عوامل كثيرة، لعل في مقدمتها ارتماء نظام الحكم الأعمى في أحضان الأمريكيين والإسرائيليين، بدليل ما نراه من بيعه الغاز لهم بثمن بخس، ومقاطعته الغبية لإيران، وإحكامه الحصار على إخوة الدين والعروبة والجيرة في فلسطين المحتلة، بهدمه الأنفاق، وإغلاقه للبوابات، وإقامته للجُدُر العازلة، فضلا عن تجاهله لقضايا التهويد، والمخاطر التي تهدد القدس والمسجد الأقصى الأسير... إلخ.
أليس هناك حل؟
بالتأكيد هناك حل، ويتمثل في تطبيق قوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".. فالوحدة العربية، والعلاقات بين الدول العربية يجب أن تحكمها رؤية استراتيجية موحدة، لا تتغير بتغير الأشحاص والأنظمة، على أن تقضي هذه الرؤية بعدم السماح بالعزلة القطرية، أو الانكفاء بعيدا عن الفضاء العربي.
وهناك ضرورة صمود الشقيقة الكبرى في وجه فتن شياطين الإنس، وفي مقدمتهم الصهاينة أنفسهم الذي يحرصون على الصيد في الماء العكر، وبث روح الكراهية مع الأشقاء، عبر إشعال الثارات والنعرات الوطنية، والنفخ في الاعتداد بالفرعونية، والريادة، والزعامة.. إلخ..
وأخيرا: لابد من تقوية الجبهة الداخلية المصرية، والوقوف بقوة ضد السياسات والسياسيين الفاشلين الذين أفقروا المصريين، وأذلوهم، ولم يحترموهم، بعد أن ثبت أن عدم الاحترام الداخلي ينعكس سلبا بعدم الاحترام الخارجي، طبقا لمبدأ (لا يحترم الناس من لا يحترم نفسه).
ذلك علاوة على ضرورة التحاق الأغلبية المصرية الصامتة فورا بقطار التغيير، النابض بالحياة حاليا في الشارع المصري، عساها تمكن للمصري في وطنه، فيحظى بحب المحيطين به.
إذا حقق المصريون ذلك فإنهم سيكونون قدوة للآخرين بفعالهم، ولن يعنيهم حينها حب العرب، أو كراهيتهم، لأن العيب لن يكون حينذاك فيهم، ولأنهم سيكونون أدوا واجبهم، ونهضوا بمسئولياتهم، وأرضوا ضمائرهم.
كتبه: عبدالرحمن سعد-الأحد 2 مايو 2010م-18 جمادى الأولى 1431ه